الفنان عبد الهادي شلا

الفنان التشكيلي الفلسطيني ” عبد الهادي شلا ” من مواليد حي الشجاعية بمدينة غزة عام 1948، فنان متعدد المواهب وباحث أكاديمي ومهني ونقابي نشط، يُزاول العديد من المهارات الفنية التشكيلية في ميادين شتى، بما فيها الكتابة النقدية والخواطر الأدبية والقصص. بدأت مواهبه الفنية بالبزوغ في سن مبكرة وهو في المرحلة الابتدائية، وكان لأخيه الأكبر ووالده ومدرس التربية الفنية “منير ساق الله” الدور الأكبر في صقل مواهبه وتوجيهها بالاتجاهات الفنية المرغوبة، وقد كان للفرصة الممنوحة له في مدرسته الابتدائية “هاشم بن عبد مناف”، بالتحاقه بجماعة الرسم والتلوين فيها أكبر الأثر في حياته.

قادته ظروف عيش والده لمغادرة مدينة غزة عام 1965، والعيش بدولة الكويت ردحاً من الزمن، حيث نال في العام 1966 شهادة الدراسة الثانوية، مكنته من الالتحاق بكلية الفنون الجميلة بجامعة القاهرة، وأتيح له المجال للتتلمذ على أيدي رواد الحركة التشكيلية المصرية بتنوع أساليبهم وثقافاتهم الفنية أمثال الفنانين ( حسني البناني وعبد العزيز درويش وعز الدين حمودة وحامد ندا وممدوح عمار) وغيرهم. ساعده ذلك في بلورة شخصيته الفنية وتميزه ما بين إقرانه، تلك المتأثرة بتيارات المدرسة التأثيرية والتي شملت سنوات الدراسة كلها، وكان مُعجباً بلوحات الفنان العالمي فان جوخ وتقنياته الخارجة عن سرب النمطية والمحاكاة.

بعد تخرجه في العام 1971 وحصوله على درجة البكالوريوس بدرجة امتياز، عاد للكويت مقيماً، وعمل بوزارة التربية مدرساً للتربية الفنية. كان مرسمه الشخصي الذي أسسه في الكويت نقطة الانطلاق في إقامته مجموعة من المعارض الفردية والجماعية، والمرافقة لتشكيل جماعات فنية كويتية، تضم مجموعة فناني الجيل الأول من الفنانين الكويتيين العائدين من البعثات الدراسية أمثال الفنانين” عيسى صقر وسامي محمد وحميد خزعل وعبد الله سالم ومحمود الرضوان وصبيحة بشارة وموضي الحجي وسعاد العيسى” وغيرهم.

كان واحداً من فريق العمل الذي أعاد صياغة مجلة الكويت التابعة لوزارة الإعلام الكويتية، كمصمم ورسام رئيسي لها في قالب فني جديد وذلك في العام 1992، واستمر بالعمل فيها بالفترة الواقعة ما بين1991 – 1995، وفي ذات الوقت عمل كرسام في مجلة العلوم و التكنولوجيا التابعة لمعهد الكويت للأبحاث العلمية مابين أعوام 1992 – 1995. غادر الكويت مهاجراً مع أسرته إلى كندا، وتمكن من الحصول على الجنسية الكندية، وسرعان ما أوجد له مكاناً مناسباً بين فنانيها التشكيلين، من خلال إقامته مجموعة من المعارض الفردية والجماعية، والتفرغ النهائي لإنتاج العمل الفني. أسس مع مجموعة من الأصدقاء جريدة( بيسان) في العام 1997، كنشاط من أنشطة الجمعية الفلسطينية الكندية التي كان أحد أعضاء هيئتها الإدارية، وساهم في كتابة بعض الزوايا الأدبية وتنفيذ الرسوم الكاريكاتيرية. ساهم في تأسيس جريد الفجر العربي في العام 2000، ومهمته فيها الإخراج الفني والرسوم الكاريكاتيرية.

خضع للعديد من الدورات الفنية التخصصية الموصولة ببرامج الكمبيوتر الرسومية في أكاديمية التعليم ( Academy of Learning )، مُعززاً مهاراته الأدائية في إنتاج أعمال فنية بواسطة برامج الرسم التكنولوجية والمنفذة بواسطة الكمبيوتر رسماً وطباعة، لاسيما في ميادين الملصقات والشعارات والإخراج الصحفي والرسوم الكاريكاتيرية. أسس مركز شلا للفنون في العام 2004، وأصدر العدد الأول من جريدة (الصراحة)، وما زالت تصدر في مدينة أونتاريو بكندا حتى الآن. كان عضواً في مجموعة من الاتحادات والروابط الفنية العربية والدولية، وحاز على مجموعة من الجوائز والميداليات الذهبية والفضية وشهادات التقدير نذكر منها: “جائزة الشراع الذهـبي معرض الفنانين العرب الكويت عام 1981، الجائـزة الأولى في الرسـم (CityGallery) بكندا عام 1997”. أقام نحو خمسة عشر معرضاً فردياً، وعشرات المشاركات الجماعية في معارض ومهرجانات فنية داخل الوطن العربي وقارات العالم الخمسة.

أعماله الفنية موزعة حسب تصنيفات الاشتغال التقني إلى خمسة مسارب فنية رئيسة، هي الرسم والموتيف الصحفي، والتصوير الملون، والملصق السياسي، والخط العربي، والكاريكاتير. يدخل من خلال نصوصها الموصوفة واحة أداءه الفني والتقني عبر بوابة الذات الشخصية، المندمجة بالبحث والتجريب وتلمس جمالياتها الكامنة بمواطنته وتراثه ونضال أبناءه، راسماً خصوصية لافته ومسحة تجريبية غنية بالنماذج الفنية، ولصيقة بذاته الفنية، يجتمع في متن نصوصها الموهبة والدربة والخبرة ومقول القول الفكرية والتقني، من خلال توليفات نصيّة ذات محمولات ملامح إنسانية عبقة بأنفاس الحرية والقول المتاح.

يجوب من خلال أعماله همومه كمواطن فلسطيني محكوم بالتنقل والهجرة ما بين مدن وعواصم عربية وأعجمية، وبقضايا أمته وأبناء شعبه وقضيته الفلسطينية، من كونها قضية وطنية وقومية عربية وعالمية، طافحة بيوميات الحزن الفلسطيني الكثيرة، وأفراحه القليلة متعدد الأماكن والأسماء، نجد لكل مرحلة من تجاربه الفنية فسحة بصرية لقول مقولته الفنية. والتعبير عما يجول في خواطره ومحسوس قلبه ومشاعره وتوليفات عقله المختزنة من مشاهد وصور ومواقف محسوسة، ومُعبر عنها بالرسم السريع حيناً، واللوحة المائية حيناً، والتصويرية بتقنيات شتى حيناً، والكاريكاتيرية في كثير من الأحوال. يجمعها الموهبة والخبرة والحس الإنساني وضرورات الانتماء لوطن وقضية وخوض معركة البقاء، والتنقل ما بين دوامة المعاناة اليومية للشعب والمقاومة الفلسطينية المستمرة.

لوحاته جميعها خارجة عن سرب الأكاديمية المدرسية النمطية، ومتعايشة مع فسحة التعبيرية التجريدية، غنائية اللون والحركة الإيقاعية للمساحات والشخوص والأشياء المُدرجة في معين تصوراته. تأخذ من اللعبة التقنية الموزعة ما بين مدارات الملونات الرئيسة من أساسية ومُساعدة وما ينتج عنها من خلاط لوني ومشتقات متجانسة، لكنها المجال الحيوي التي تتسم بها جميع رسومه ولوحاته بطابع الخصوصية التجريبية التي وجدت لها مُستقراً في ذاته الموهوبة والدارسة والخبيرة.

مواضيعه متنوعة بتنوع مساحة رؤاه وأفكاره ومناطق وعيه، ومنادمته لحالته الشخصية المصحوبة بواقعه كفلسطيني مُهاجر في دروب غربته المتعددة أيضاً، يوازن من خلالها ما بين شخصيته المجربة وغربته المفتوحة على تقنيات العصر ومعطياته المعاصرة. مواكبة لذاكرة مكانه المتجددة، والتآلف الوجودي الشخص والفني التشكيلي مع عوالمه التي اختارها أو اختارته مصادفة في مجرة الأحزان الفلسطينية. الإنسان هو الجوهر والعنصر الطاغي في كثير من أعماله، يصوغه في حرية الوصف ومساحة التعبير، تارة بملامح تعبيرية واقعية متجانسة وحقبة دراسته الأكاديمية الأولى الموصولة بالتراث الشعبي الفلسطيني، وتارة تأخذ من التطريز الفلسطيني متنوع الأشكال والزخارف فسحة تعبيرية تجريدية متراقصة في مساحة لوحاته. وأحياناً يُعايش الأحداث الفلسطينية بالرسوم الكاريكاتيرية أو مواضيع الانتفاضات الفلسطينية المباركة، ويلوذ في مراحل التأمل الذاتي بمواضيع تعبيرية تجريدية سريالية الطابع والقسمات. ليجد نفسه في نهاية المطاف واحداً من الفنانين القادرين على التكيف مع ذاكرة مكانه الجديد المتفاعل مع القديم، مُوظفاً أدواته التقنية المتعددة سواء في الرسم والتصوير اليدوي المباشر، أو من خلال أدوات مساعدة مشمولة ببرامج الرسم التقنية “الكمبيوتر خصوصاً أوسع توظيف

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.