عبد المطلب اعبيان

الفنان التشكيلي الفلسطيني ” عبد المطلب اعبيان” من مواليد غزة عام 1947، محمول بالموهبة الفنية التشكيلية، وبالرغبة الذاتية على تقديم فائدة مرجوة في ميادينها التعبيرية عبر خياراته المستقبلية، فكانت مرحلة الدراسة ما بعد الثانوية المحطة المهمة في مسيرته التشكيلية، فقد درس مجالات التربية الفنية في معهد خاص بالفنون وحصل على دبلوم تربوي ومهني، يؤهله لخوض غمار التفاعل البصري والمعرفي مع ذاته وطلابه. وكان ذلك من خلال مزاولته مهنة تدريس مواد التربية الفنية في المدارس الثانوية، ومن ثم دور المعلمين والمعلمات بقطاع غزة، وإجادته لكتابة الخطوط العربية الكلاسيكية، مكنه أيضاً من تدريس مادة الخط العربي في جمعية الشبان المسيحية بمدينة القدس. وقد تسنى له الفرصة للإخراج الفني للعديد من النشرات والمجلات الدورية، ومُشارك في كثير من العروض الفنية التشكيلية الجماعية التي تُغطي الأحداث والمناسبات الوطنية والقومية داخل فلسطين وخارجها، وهو عضو في جمعية الفنانين التشكيلين الفلسطينيين بقطاع غزة.

لوحاته الفنية التصويرية تسبح في فضاء الحرية المفتوحة على تخير المواضيع، لا تقف في حدود مدرسة واتجاه فني أحادي التوجه، بل متروكة لطبيعة الحدث وما تفرضه الحالة التعبيرية التي يعيش الفنان في واحة فصولها الدرامية والجمالية. من اختيار للمدارس الفنية الواعية التسجيلية، والواقعية التعبيرية، والتعبيرية الرمزية والسريالية. يدخل من خلالها بوابات المجتمع الفلسطيني ويتعايش معه، معايشة شكلية وتصويرية صادقة، مليئة بالأقوال البصرية الممكنة، والتي تعكس وعي الفنان وشعوره بانتمائه ومحددات خياراته الوجودية، ودوره الاجتماعي والتربوي والإنساني في نشر رسالته الحياتية من خلال أروقة الفن التشكيلي والتعبير عن مكنونات النفس والمخيلة.

مواضيعه تلامس روح الشفافية الشكلية والتبسيط المساحي للرموز والعناصر والسطوح، تأخذ من معين دائرة الألوان الرئيسة منها والفرعية كل مأخذ، وريشته المطواعة ترسم حدود متواصلة لتجليات ذاكرة المكان الفلسطيني بجميع فصوله الحياتية اليومية، الموزعة ما بين الحقل والريف والمدينة، تستحضر محطات مستعارة من التراث والمقاومة، وتداعيات الصمود الأسطوري لشعب عربي فلسطيني مقاتل، تُغطي مواضيعه مواقف كفاحية شتى، وتنقل ذاكرة المتلقي ومناطق وعيه إلى أماكن مقصودة بذاتها، أراد الفنان لإقحام عين المتلقي وبصيرته إلى واحتها الشكلية مشاركاً وجزءاً متمماً من أجزاء قصيدته البصرية الفلسطينية.

مسرحة الأحزان ودروب المعاناة الفلسطينية، والمقاومة اليومية، ومسيرة الانتفاضات الشعبية المتعاقبة تجد في نصوصه التصويرية متسعاً لمكان، وهي مشاهد مألوفة في كثير من أعماله، تأخذ صبغة درامية سريالية الطابع والرؤى الشكلية، تجمع في متنها الشكل والمضمون والصورة الرمزية الموحية، والمقدرة الشخصية على جمع أشتات العناصر والمفردات الشكلية الموصوفة في سياق تشكيلي جامع، والمنثورة فوق سطوح الخامات المستخدمة. والتي تحمل في ضلوعها الشكلية مجموعة من المعاني والخلفيات المعجونة بالألم، وتُعطي مسحتها التعبيرية مداداً تأويلياً لحجم المأساة الفلسطينية، وتكشف طبيعة المواجهة مع جبهة الأعداء من صهاينة وأمريكان ومن لف في هواهم وغيهم العدواني. وتفتح صفحة الحقيقة والمكاشفة مع الأخوة الأعداء والصامتين، وفي مكنونها الفكري واستعارتها الرمزية والمكنية الشيء الكثير.

لوحات تلامس جواهر الأشياء، وتنبني عوالم تشكيل بصري مكشوفة على حقائق الوجود والتاريخ، وترسم مدونات المقاومة الشعبية الفلسطينية في أشكال تعبيرية متنوعة، انتفاضات فلسطينية متكررة في مواجهة العدوان أياً كانت مصادره ومسمياته وتعبيراته الوصفية، تتقدم مواكب نصوصه الشكلية مدينة القدس زهرة المدائن العربية والإسلامية وعروسها، تنتظر دورها ومصيرها المحتوم، والموصول بالمقاومة ومحاولة كف الأذى،، وتخفيف وطأة الهجمة الصهيونية البربرية القائمة على استباحة الأرض والجغرافية والتاريخ، ومعمدة بأشكال القهر والتهويد والتهجير.

الموروث الشعبي الفلسطيني في تجليات المرئية فوق أثواب النسوة الفلسطينيات، وما يتخللها من مفاتن زخرفة وملونات، وأشكال هندسية ونباتية وحيوانية، ووجوه حافلة بالأمل والعمل جنباً إلى جنب مع الرجال في واحة الحقول الفلسطينية، هي أشبه بولائم بصرية لواقع فلسطين معاش، وتسجيل بصري لمواسم الحصاد، وتكثيف مساحة الرؤى في مدونات سردية تبرز مسارات التكافل الاجتماعي السائدة ما بين العائلات الفلسطينية من جهة، وعلاقتهم الحميمة مع أرضهم من جهة ثانية.

البعد التشكيلي الجمالي في لوحاته مندمج مع تحسسه الفردي بالأشياء المحيطة، وطريقة تعاطيه مع الواقع والمتخيل بصور غير واقعية في كثير من المواقف المسرودة. وتظهر مهارته الشخصية في أنماط تفاعله السردي مع الأماكن والشخوص، وتبيان مفاعيل تجلياته الكامنة من خلال العجينة اللونية ودروب التقنية والخصوصية والتفرد الشكلي، واللمسة الرمزية السريالية في مظلتها الإنسانية واسع الطيف والمدلول. والمحكومة ببنية تشكيلة متباينة نصاً وموضوعاً، ومنسجمة في ملوناتها وملامس سطوحها التي تؤسس لوحدة شكلية متآلفة

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.