الفنانة لطيفة يوسف عبد الوهاب

الفنانة التشكيلية الفلسطينية ” لطيفة يوسف عبد الوهاب” من مواليد بلدة أسدود بفلسطين المحتلة عام 1948، أجبرتها دروب النكبة الفلسطينية الكبرى لمغادرة مسقط رأسها باتجاه قطاع غزة ليكون مخيم خانيونس موئلاً حاضناً لها وللعائلة، وتتابع رحلة اللجوء المقيت وأن تعيش يومياته المضنية ويومياتها الحافلة بالمعاناة. ولتدرس في مدارس وكالة الغوث الدولية مراحل دراستها الابتدائية والإعدادية والثانوية.

بعد حصولها على شهادة الثانوية العامة عام 1965، انتسبت إلى معهد تأهيل المعلمات في مدينة رام الله، مكنها ذلك من حصولها على شهادة دبلوم تدريس التربية الفنية عام 1967. عملت في ميادين تدريس التربية الفنية في مدارس البحرين وقطر ما بين 1967-1990، وشغلت موقع مسئولة المعارض في دائرة الثقافة بمنظمة التحرير الفلسطينية في تونس ما بين 1990-1994، وتنقلت في مسؤوليات إدارية متعددة، وتسلمت مهمة سكرتير ثاني كمندوبة دائمة في جامعة الدول العربية لدولة فلسطين بالقاهرة وكمسئولة لملف الأسرة والطفل منذ العام 2002 وما زالت.

هي عضو عامل في عدة اتحادات نقابية ومهنية مثل: الاتحاد العام للتشكيلين العرب، والاتحاد العام للفنانين التشكيلين الفلسطينيين، وآتيليه القاهرة والمستقبل العربي وفنانون من أجل السلام. لها مشاركات عديدة في المعارض الفردية الشخصية والجماعية والتظاهرات الفنية التشكيلية داخل المدن الفلسطينية بالقدس ورام وسواها، والعربية في كثير من دول الخليج العربي لاسيما قطر، ومصر ولبنان والأردن وتونس، والدولية مثل: المجر، إيطاليا، هولندا، النمسا، الولايات المتحدة الأمريكية، وحاصلة على عدد كبير من الجوائز والميداليات وشهادات التقدير.

بدأت مسيرتها الفنية عبر توليفات فنون الكولاج اللصقي، المؤتلفة من خامات ومواد تقنية متنوعة، تُشكل معادل بصري لطبيعة اللجوء الفلسطيني وما تعانيه مخيمات البؤس من قسوة الحياة وشظف العيش والمعاناة المصحوبة بافتقاد وطن، وكأنها بوح بصري صريح عن الفسيفساء الفلسطينية الزاخرة باللاجئين من مختلف المدن والأرياف الفلسطينية، المُغادرة عنوة مواقعها عقب نكبة فلسطين الكبرى عام 1948. كاشفة تلك اللوحات في حلتها التقنية عن حجم المعاناة وتنامي خيوط الأمل في التحرير والعودة التي رافقت يوميات انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة خارج حدود الوطن الفلسطيني المحتل، ومحمولة بيوميات الحصار الظالم على الوطن الفلسطيني عموماً وقطاع غزة على وجه الخصوص.

لوحاتها الفنية عموماً تنطوي على مغامرات تقنية مكشوفة على الرمز والإيحاء، وتجليات الأنا الشخصي المندمجة في الأنا الاجتماعية، المحافظة على دثارها التقني التصويري، المفعمة بلمسات متوالدة من تيارات الحداثة الشكلية. الخارجة من عقال الواقعية لمصلحة التعبيرية الرمزية، والرمزية التأثيرية والتأثيرية التجريدية، والمشغولة وفق تقنيات طافحة بمقامات التجريب، والساعية إلى تنظيم طبقات لونية مركبة، مُتداخلة ومُتجاورة حافلة بالتجانس الإيقاعي لمتواليات الألوان. تنتمي جميعها وإن اختلفت تفاصيل محتواها الموضوعي إلى ذاكرة مكانها الفلسطيني، مُتدثرة بأثواب شكلية سابحة في أتون المخيم وهيئات المقاومين الفلسطينيين وقامات الفدائيين المتطاولة في حيز السطوح والمساحات والكتل اللونية المتناغمة.

وحافلة بأجواء فلسطينية مفتوحة على مدنها وأريافها، ومخيماتها المتناثرة في ربوع الوطن الفلسطيني ومناطق اللجوء الفلسطينية متعددة الأسماء والمكونات. تحكي قصتها كمواطنة فلسطينية مناضلة وفنانة وإنسانة، تجمع في متن لوحاتها هذا الثراء البصري لمخيلة حالمة بأزاهير الوطن الفلسطيني المفقود، تنسج تداعيات ملونات الطبيعة الفلسطينية الغناء، في بحرها وأنهارها وسماءها الصافية الزرقاء، وأشجارها وخضرواتها وفواكهها وخيراتها المشبعة بملونات الأخضر المتدرج والبهي، والمتدحرج على ملونات التربة البنية الداكنة والشفافة، مفسحة المجال لتقاسيم حانية من جميع تدريجات الملونات الأساسية المتعانقة مع الأبيض والأسود وما بينها رقة ودسامة وقسوة، وتباين وتناسق وصفي جمالي.

لوحاتها تجوب مساحة التعبير الذاتي، واللحظة التصويرية المنفلتة من خزان العاطفة الأنثوية المشابهة لتجليات الوطن كرمز لأم رءوم حاضنة لأولادها المتناثرين فوق الخامات وسطوح اللوحات. هيئات لشخوص متنوعة تختزل في وصفها الشكلي المواصفات الإنسانية الواقعية المعروفة، تقدمهم وجبات من كتل ومساحات لونية مقاربة لمكونات الإنسان العام بلا حجوم منظورة ثلاثية الأبعاد، بل مؤتلفة من بعدين ملغية لتفاصيل الوجوه والأجساد، محمولة بالحركة التي تنسج خيوطها ريشة نزقة، تعرف حدود خبرتها وتخير مواضيعها المستعارة من واحة مخيم فلسطيني هنا وبلدة هناك.

وجدت الفنان “لطيفة” في قصائد الشاعر الفلسطيني محمود درويش فسحة بصرية متاحة لقول سردي منثور على سطوح الخامات المستعملة، لترسم خطاً ثقافياً موحداً لمسارات الابتكار وأنماطه من ناحية، وجمالية الهدف وخصوصيته من ناحية ثانية، وتُشكل حالات تفاعلية وجدانية ما بين القول الشعري وشاعرية الرؤى الشكلية لمفهوم الوطن والمواطنة والانتماء لفلسطين الذاكرة الشفوية، والمُحملة بأسرار الأوابد والتاريخ والشخوص العابرين في مجرتها النضالية، من مقاتلات وفدائيين متدثرين بالإيمان بجود النفس المقدمة رخيصة على ولائم الحرية على الطريقة الفلسطينية المتدثرة بمقولات الشهادة والاستشهاد.

البنية الشكلية في عموم لوحاتها، قائمة على الموحيات الشكلية الهلامية لقامات إنسانية من نسوة ورجال هنا، وذاكرة وصفية لترات وزرقة السماء والنهار والبحار، وأشكال لبيوت ومدن وأرياف هناك. معشبة بامتداد مساحي للأشكال الهندسية التجريدية التي تلم أشتات المناظر بما هي عليه من حالات وجدانية انفعالية الصدى المعنوي والأثر النفسي في عين المتلقي، وما تحفل فيه من حركة التقنيات والملونات المندرجة بريش وسكاكين الرسم والتلوين والتوصيف التقني، لتخرج عجينة لونية حافلة بفوضى التداخل الشكلي لمقولات قولها السردي. وكأنها تشدو ولادة أنماط شكلية وخصوصية بحث وتجريب، جامعة لروحية الحداثة ورموز الرؤى والأفكار التي تروم الوصول إليها، وتود توصيلها لجمهور الفن والتلقي.


ألوانها دائمة السباحة في مداد ملونات الدائرة اللونية الرئيسة، وما يشوبها من عناق التداخل والتباين، الرتابة في الإيقاع، تجد لها متعة شكلية في مرصوف الأحمر والأزرق والأصفر، وتشكيل تدريجات لونية متناسقة من شفاف الأخضر والبرتقالي والبنفسجي. وتدخل متاهة الداكن بواسطة ملونات الأسود والرمادي، وزهاء الأبيض المفتوح على جميع ملونات الطبيعة الخلوية وذاكرة الإنسان. تنسج رؤى قريبة من الخيال ومن ذات الفنانة الشخصية التي وجدت لمثل هذه التقنيات المتاحة فرصة للتعبير والتوصيل.

__________________

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.