MS00

خطاط من فلسطين، الخطاط / محمد صيام

ولد الأستاذ الخطاط محمد بن صالح بن حسن صيام في حدود عام 1335هـ / 1917 م في قرية لفتا من قرى مدينة القدس. دخل الكتاب في سن مبكرة، ثم التحق بالمدارس النظامية عام 1339هـ / 1920م، فدرس في مدرسة البقعة مدة أربع سنوات. اتبعها بدراسة سنتين في مدرسة التمرين، ثم سنتين أخريين في المدرسة الرشيدية بالقدس، ثم سنة واحدة في كلية تراسنطة، قام بعدها عام 1348هـ/ 1929م برحلة إلى بوليفيا لزيارة أقاربه لمدة عام حيث تعلم خلالها اللغة الأسبانية، ثم عاد ليعين في سلك التدريس، فدرّس في مدرسة قريته مدة أربع سنوات من عام 1353 – 1357هـ /1932 – 1938 م. ثم انتقل إلى المدرسة البكرية في القدس، وقد لمع اسمه آنذاك كمدرس بارع، فأوكل إليه التدريس في ثلاث مدارس أخرى في آن واحد إلى أن نشبت حرب عام 1948م، حيث أجبر على ترك بلدته والتجأ إلى القسم الشرقي من مدينة القدس. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها عين مدرساً\ن ثم مديراً لعدد من المدارس الحكومية في مدينة القدس إلى أن نشبت حرب عام 1967م، وعلى إثر احتلال فلسطين، قرر عدم العمل في المدارس الحكومية التابعة لسيطرة الاحتلال، فقام مع عدد من رجالات العلم في بيت المقدس بافتتاح القسم الأكاديمي في مدرسة دار الأيتام الصناعية بالقدس حيث عين مديراً لها إلى أن أحيل إلى التقاعد عام 1403هـ/ 1983م.

Siam* رحلته مع الخط العربي …

بدأ الخطاط محمد صيام مشواره الفني مع الخط مقلداً ومحاكياً لمصحف الحافظ عثمان وكتابات الخطاط شفيق التي تزين قبة الصخرة المشرفة، ثم تعرف خلال دراسته في المدرسة الرشيدية إلى خطاط فلسطين الأول المرحوم عبد القادر الشهابي الذي درس الخط في استانبول على الخطاط محمد عزت. فشجعه وقدم له النصح والإرشاد، ثم حثه على متابعة دراسته في مصر. ففي عام 1356هـ/ 1937م سافر إلى القاهرة، وتعرف إلى الخطاط المصري الشهير سيد إبراهيم فقدم له بعض كتاباته فأعجب بها أيما إعجاب. احتضنه الأستاذ سيد إبراهيم وفتح له بيته ومرسمه لينهل من علمه وفنه، فكان يزوره كل عام خلال إجازاته المدرسية الصيفية، أو كلما سمح له وقته بذلك، إلى أن أجازه أستاذه قبيل عام 1368هـ/ 1948م.

MS02افتتح على أثرها مكتباً للخط في مدينة القدس، زاول فيه أعمال الخط الفنية والتجارية، ثم أصبح خبيراً معتمداً لدى المحاكم النظامية والشرعية في مضاهاة الخطوط. وفي عام 1372هـ / 1952م أصدر “الكراس السهل” وهي سلسة كراسات في خط الرقعة للمرحلة الابتدائية وعددها (6) كراسات، طبق تدريسها إلزامياً في مدارس فلسطين العمومية والخاصة، أتبعها عام 1390هـ /1970 م بكراسة خطية للمرحة الإعدادية أسماها (حدائق الخط العربي).

بعد إحالته إلى التقاعد عام 1403/1983م افتتح في مرسمه دورات خطية، خرجت عدداً من الخطاطين الناشئين نال بعضهم جوائز تقديرية محلية وعالمية.

MS03في عام 1410هـ/ 1990 م، صدر كتابه (رياض الخط العربي) متضمناً معظم أعماله الخطية، وكذلك صدر له في نفس العام كتاب في مضاهاة الخطوط ضمنه عصارة تجاربه التي جاوزت نصف القرن، وله كتاب في قواعد اللغة العربية وكراسة في خط التعليق مازالا مخطوطين.

كتب في حياته الكثير من الكتابات التذكارية على الأضرحة والمقامات والمساجد منها: النصب التذكاري للشاعر عبد الرحيم محمود في الناصرة، مسجد الخلفاء الراشدين في مدينة البيرة.

 وأشرف على إصلاح كتابات المسجد الأقصى بعد حريقه، بالإضافة إلى كتابة مئات اللوحات الفنية الرائعة بأنواع الخطوط العربية المختلفة، وقد كان رحمه الله يحلم بإنشاء مدرسة لتحسين الخطوط في فلسطين على غرار مدراس تحسين الخطوط العربية في القاهرة.

* الجوائز التي حاز عليها …

نال الكثير من الجوائز التقديرية والمكافآت والأوسمة منها: جائزة مهرجان عجلون الفني عام 1380هـ/ 1960م، والجائزة التقديرية في مسابقة الخط الدولية الأولى باستانبول عام 1406هـ / 1986 المعروفة باسم مسابقة الخطاط حامد الآمدي (في تقليد أعمال الخطاط حامد الآمدي في خط الديواني الجلي). ثم منح الجائزة التقديرية الأولى من قبل مؤتمر القدس العالمي للتراث الشعبي الفلسطيني  عام 1407هـ / 1987م، وأخيراً منح وسام فلسطين للفنون في مهرجان أقيم في مدينة القاهرة عام 1410هـ / 1990م.

*تلاميذه …

خلف الأستاذ محمد صيام العديد من التلاميذ في الضفة الغربية وفلسطين الداخل (1948) ولكن أهم طلابه:

المحامي والخبير في مضاهاة الخطوط في المحاكم الخطاط عبد الله العزة وقد حصل على الجائزة التشجيعية في الخط الديواني في مسابقة الخط الدولية الثانية – أرسيكا- استانبول عام 1989، ود. موسى خوري، والخطاط عبد الرحمن حامد، والخطاط عبد الناصر الشيخ قاسم، والخطاط يوسف زواهرة، والخطاط أحمد الشويكي، والخطاط سعيد النهري.

* الخطوط التي أجادها …

لقد أجاد الأستاذ محمد صيام وكتب بكافة الخطوط العربية ما عدا الكوفي الذي لم يكتب به أبداً مع تفديره له وإعجابه به وبأساتذته

* مثله الأعلى من الخطاطين …

(عرباً: سيد إبراهيم، ومحمد المكاوي، ونجيب هواويني، وعبد الرازق عوض…وغيرهم ممن أجاد في هذا الفن). (أتراكاً: راقم، وسامي، وشوقي، ونظيف، والشيخ عزيز الرفاعي.. وغيرهم ممن أجاد).

* اللوحات التي كان يحبها …

كل لوحاته عزيزة عليه… لم يقم ببيع أية لوحة له… وكان يهدي المساجد بعضاً من لوحاته، وبعض المقربين من أصدقائه).

* معارضه …

أقام الأستاذ العديد من المعارض منها معرض الخط العربي الثالث في جامعة بيت لحم عام 1983، وقد أقام له تلاميذه معرضاً بعد وفاته عام 1991.

* وفاته …

انتقل إلى رحمة ربه مساء يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر رجب عام 1411هـ الموافق الثلاثين من شهر كانون الثاني عام 1991م اثر نوبة قلبية حادة ثم دفن في مقبرة باب الساهرة بالقدس الشريف في مكان مجاور لضريح مؤرخ مدينة القدس المرحوم عارف العارف.

 MS04

* ما قاله تلاميذه عنه في معرض الوفاء له سنة 1991 …

** محمد صيام “الإنسان والفنان”:

في صيف عام 1983، أقيم معرض للخط العربي في جامعة بيت لحم في الذكرى العاشرة لتأسيسها، فقمت بتصوير جميع اللوحات المشاركة في هذا المعرض، حيث ظهرت في كتاب شامل صدر عن الجامعة – كان للمرحوم محمد صيام النصيب الأكبر من هذه اللوحات –

بعيد المعرض، قمت بزيارته في بيته وأهديته نسخة من صور لوحاته، وعرضت عليه بعضاً من خطوطي، فرحب بي أشد ترحيب للتتلمذ على يديه، بدأت بزيارته في مرسمه كل يوم تقريباً، أنهل من علمه وفنه، حتى أني ما زلت أحتفظ بأول أوراق التمارين التي زينها بتصويباته، فكانت له نظرة الفنان المبدع والأستاذ المتمكن من دقائق الأسرار في هذا الفن، أحرزت من التقدم في هذا الفن بسبب توجيهاته في مدة وجيزة أكثر مما كنت قد حققته خلال عشر سنين من التدريب الذاتي والمحاكاة.

بعد مدة من التدريب المنتظم جاوزت نصف العام اقترحت عليه إقامة دورة موسعة لعشاق هذا الفن – حيث كنت أول طالب ينهل من فنه ويتدرب على يديه بشكل منتظم – فرحب بذلك أعظم ترحيب، انتظمت الدورة مرة كل أسبوع إلى آخر أيامه – رحمه الله – فتخرج العديد من الطلاب على يديه ممن يعول عليهم حمل الراية من بعده. كانت حصة الدرس أشبه ما تكون بندوة فنية أدبية، لم يكن – رحمه الله – يكتفي بتبيان النواحي الجمالية والفنية في أشكال وتراكيب حروف الآيات القرآنية التي كان يخطها لنا على السبورة لمحاكاتها والتدرب عليها بخط الثلث وغيره من أنواع الخطوط الأخرى، بل كان يحرص كل الحرص على تبيان مواطن الجمال في لغة هذه الآيات، فكانت حصة الدرس منتدى أدبياً في النحو والبلاغة والبيان، لقد ساعد طول باعه في هذه المواضيع في إثراء دورات الخط بشكل متميز.

كان – رحمه الله – خفيف الظل، حسن المعشر، كثير الدعابة مع طلابه، يلاطفهم ويمازحهم، وكأنه أحد أترابهم، كان يعاملنا باحترام شديد ويقدر فينا مواهبنا، ونحن نكن له كل المحبة والتقدير ونجل علاقة الأستاذية نحوه.

كان متواضعاً يحب فينا التواضع، كريماً نحونا، لم يبخل علينا يوماً في معلومة من علومه أو سر من أسرار الكتابة الخطية، لم يبخل علينا أبداً في مرجع من المراجع الخطية التي تعمر مكتبته، وكان شعاره أبداً قول الرسول – صلى الله عليه وسلم – “كاتم العلم ملعون”. لم يبخل أبداً في علم مهما عظم، فقد كان مكتب وبيته مفتوحين على الدوام لكل صاحب موهبة أو اهتمام. كان مكتبه بمثابة نواة لمدرسة متخصصة في فنون الخط العربي، تلك المدرسة التي طالما كانت حلماً يراوده ويعمل جاهداً على تحقيقه.

لقد بلغ مدى حبه لتلاميذه وتقديره لكتاباتهم إن كان ينعتهم بأسماء عظام الخطاطين، فمن يتقن الخط الديواني ينعته بمصطفى غزلان، ومن يتقن الرقعة ينعته بمحمد عزت أو عبد الرازق عوض، ومن يتقن الثلث ينعته بمصطفى الراقم أو سامي أفندي أو حليم … وهكذا، مما يشيع في نفس الطالب الأمل والإصرار على التقدم والتطور.

كانت فرحته عظيمة عندما حصل اثنين من طلابه على جوائز تشجيعية في مسابقة الخط الدولية الثانية في استانبول عام 1989، فحمد الله كثيراً على أن البذرة التي زرعها فينا قد نمت وترعرعت.

الخطاط عبد الله العزة/ دار الخط العربي

MS05 ** كلمة عهد ووفاء:

سبحان الذي علّم بالقلم، وعظّمه لدرجة القسم. فقال: “ن والقلم وما يسطرون”. فطوبى لمن عرف للقلم سر خباياه، وطوبى لك يا أبا هاني، ولمن تبع نهجك وسار على طريق السلف الصالح من أجدادنا المبدعين.

لقد غمرني الله بفضله، وعرفني على أستاذنا الحاج محمد صيام، فربطتنا بحكم الزمالة أواصر صداقة حميمة. لم يبخل عليّ من خلالها بالتوجيه والنصيحة والعناية رغم بُعد المسافة بيننا. فكرم أخلاق الأستاذ وطيبته أزاحت هذه المسافات، فكنت واحداً ممن عشق فنه وتابع أخباره.

فكلمة وفاء وحب لذكرى هذا الإنسان المبدع الذي كان الصحوة في بلادنا لهذا الفن الراقي.

إن الناظر والدارس لما خطه يراعه يشهد له شهادة حق بعلو شأنه في هذا المجال، وما آثاره إلاّ صورة مصغرة من صور الإبداع الذي نعتز به نحن العرب. حيث استطاع امتلاك زمام الخطاط العربي وإغناء المكتبة الفلسطينية والعربية وتراثنا العربي والإسلامي بلوحات رائعة، كانت وستبقى مرجعاً لكل محب لهذا الفن العريق من الأجيال القادمة.

لقد جمع في لوحاته جمال التركيب وقوة الحرف ووضوح المعنى، وحافظ على الصورة الكلاسيكية للخط العربي الذي تعودنا أن نراها في آثار أجدادنا المبدعين، وقد رفض رفضاً تاماً كل التأثيرات الخارجية الطارئة على الخط العربي، ولم يحاول أن ينجرف مع تيارها.  والمتمعن في لوحاته يرى أن المرحوم لم يتقيد في لوحاته بميزان الحرف، مثبتاً أن الخط العربي لا تحكمه المساحات والموازين، ولكن ما يحكمه هو الجمال، وبالمقارنة مع ما كتبه المرحوم في فترات متفاوتة من عمره الفني، فإنه استطاع أن يجمع القوى والوضوح في شبابه وركز على جمالية الحرف ومعناه، وبالنسبة لما خطه في أواخر حياته، فترى أنه جمع كمال اللوحة من الناحية التركيبية والتقنية، وعامل السن قد أثّر تأثيراً إيجابياً في هذا الكمال الحسي والروحي للوحات، والذي جعل المرحوم موضع التكريم فلسطينياً وعالمياً كونه من طائفة الخطاطين الذين سطروا صفحات مشرقة في تاريخ الخط، وبفضلهم تم بعث الخط في بلادنا من جديد.

هذا إن دل على شيء، فإنّما يدل على أصالة أستاذنا وصفاء فكره وسمو عبقريته، ونحن نجدد العهد لك على السير على هذا الدرب وحمل الراية.

الخطاط/ سعيد النهري

 **محمد صيام والعمل خارج الدوزان:

مهما قيل في الغرفة التي بناها الطيب صالح “مصطفى سعيد” في رواية موسم الهجرة إلى الشمال، فستبقى عندي المكان الذي يختلي فيه المبدع ليخرج عن الدوزان العام لذبذبات الذاكرة الجماعية؛ لأن الإبداع خارج هذا الدوزان أسهل بكثير من الإبداع داخله. حتى يتحقق الخروج من هذا الدوزان، لابد من سابقة التواجد داخله، والخروج لا يعني بالضرورة الانسلاخ، إنه استبطان من نوع خاص يتبعه انبثاق محمل بذبذبات الذاكرة الجماعية وغير محمول عليها. لم يحقق محمد صيام ما حققه لولا خروجه من هذا الدوزان، لقد كان مبدعاً في كل ما كتب، أصيلاً في كل ما أبدع.

الخطاط/ موسى خوري

** الأستاذ الخطاط محمد صيام:

خطاط بارع، محنك، محب لفنه، أمين فيه، تعرفت إليه في صيف عام 1984 عندما كنت هاوياً للخط العربي ملماً ببعض قواعده، وقد أحبني من أول لقاء، وارتاحت نفسه لي.تدربت على قواعد الخط العربي تحت إشرافه مدة تزيد على الخمس سنوات، كان خلالها يشجعني باستمرار، ويجيب عن كل أسئلتي واستفساراتي حول قواعد الخط العربي وطريقة كتابة بعض الحروف والكلمات والتراكيب.

كان رحمه الله حريصاً على حضور التلاميذ لدروسه، وقد كان يحزن عندما يتغيب بعض الطلاب عن دروسه، ولا سيما النجباء منهم، وكان يفكر في إنشاء جمعية تضم الخطاطين وتجمع شملهم لخلق روح المنافسة الشريفة بين الخطاطين الناشئين من أجل الارتقاء والسمو بهذا الفن الجميل. إنني أكن كل التقدير لهذا الخطاط البارع، واعترف بفضله الكبير عليّ، وقد كان لتوجيهاته وإرشاداته الأثر الكبير على تقدمي في الكتابة. لقد بلغ الأستاذ محمد صيام في الخط العربي منزلة عالية، وأعماله ولوحاته تنطق بذلك، فكانت وفاته وهو في قمة الإبداع. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمده برحمته الواسعة وأن يجزل له العطاء، إنه أكرم مسؤول وأعظم مأمول.

الخطاط عبد الناصر الشيخ قاسم

مع خالص الشكر للأستاذ/ عبد الله العزة، والأستاذ/ أحمد الأسمر، والأستاذ/ سعيد النهري الذين لم يدخروا وسعاً في إثراء هذا الموضوع

من إبداعات الأستاذ محمد صيام …

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.