كاميرات التجسس.. سطرت تاريخ الحروب

التصوير الفوتوغرافي لأغراض التجسس أضحى منتشراً الآن على نطاق واسع سواء
من قبل الحكومات أو الشركات أو الأفراد، حيث توظف أكثر تقنيات التصوير الرقمي تطورا،
إلا أن أيام التصوير التجسسي يمكن إرجاعها إلى البدايات الأولى من القرن العشرين.

وقد كشف النقاب عن الكثير من التصاميم السرية لكاميرات التجسس القديمة،
لتكشف عن حقبة من تاريخ التصوير في العمليات السرية، ويقوم المتحف الخاص بوكالة المخابرات
المركزية الأميركية (سي آي إيه) بعرض عدد من كاميرات التجسس التي بطل استخدامها، والتي
كانت معتمدة خلال الحرب الباردة، وكان قد ظهر البعض منها في أفلام جيمس بوند.

كاميرات تجسس في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى رأت الحكومة
البريطانية أن مطالبة النساء بحقوق اقتراع المرأة في الانتخابات كانت واحدا من أكثر
التهديدات خطورة التي تواجهها ألإمبراطورية آنذاك، فاستنادا إلى قسم الأخبار في “بي
بي سي” أقسم أحد رجال التحري على نفسه القيام سرا بتصوير لقاءات حلقة من الزعيمات
النسائية المطالبات بهذه الحرية، اللواتي وضعن في السجن.

وعن طريق استخدام عدسات كاميرا من طراز “روس تيليسينتريك” (Ross Telecentric) استطاع رجل التحري هذا التقاط
صور للنساء في سجنهن، مسجلا ما اعتبره البعض أولى صور التجسس. لكن مثل هذه العدسات
كانت كبيرة الحجم، خصوصا لدى تركيبها على كاميرات كبيرة الحجم، تعود إلى الأيام الأولى
من القرن العشرين.

لكن غالبية الخبراء يشيرون إلى كاميرا “مينوكس” (Minox) الصغيرة الحجم جدا على أنها
كانت أول كاميرا تجسس. وهي من تطوير المخترع والتر زاب في لاتفيا، عندما كانت تحت الحكم
الألماني، التي صنعت في ريغا عاصمة هذا الإقليم. وعلى الرغم من تناوب السوفيات والألمان
على احتلال ريغا خلال مراحل متعددة أثناء الحرب العالمية الثانية، فإن الطرفين أحجما
عن استخدام الكاميرا في عمليات الاستطلاع والتجسس، فقد كان ينظر إليها كإنجاز هندسي
كبير، لا اعتمادها كأداة مفيدة. لكن خلال الحرب الباردة تناوب الطرفان الشرقي والغربي
على استخدام مثل هذه الكاميرات في عملياتهما السرية، وخصوصا “مينوكس بي”
التي لها تاريخ عريق، والتي طالما اعتبرت كاميرا لها شأنها في عمليات التجسس.

وكانت الكاميرا من الشعبية خلال الحرب الباردة حتى إن بعض وكالات التجسس
طورت أجهزة خاصة لها، حتى إن وكالة التجسس في ألمانيا الشرقية “إتش في إيه”
صممت لها فرشاة خاصة لوضعها داخلها وإخفائها.

وقد استخدمت وكالة المخابرات الأميركية كاميرا “مايكرودوت”
(
Microdot Camera) بصورة رئيسة لتصوير الوثائق والمستندات وبثها.
وكان إرسال المعلومات ونقلها من الأمور الصعبة في الأيام الأولى التي سبقت البريد الإلكتروني
وآلات الفاكس. ولكن بواسطة هذه الكاميرا تمكن العملاء من تصوير صفحات برمتها وتضمينها
في قطعة من الفيلم، هي بحجم مليمترات، يمكن إخفاؤها في الكتب والرسائل وقطع النقد وغيرها
من الأشياء الصغيرة التي لا ينم مظهرها عن شيء.

واستخدم العملاء أيضا كاميرات من قياس 35 مليمترا من صنع سويسرا، التي
يمكن إخفاؤها داخل محفظة جلدية صغيرة خاصة بالتبغ.

ولم تكن “مايكرودوت” الكاميرا الصغيرة الوحيدة في ترسانة “سي
آي إيه”، فقد كانت هناك كاميرا أخرى صغيرة أيضا هي “ديوال يوز” (
Dual Use – استخدام مزدوج) التي كانت
بحجم علبة فيلم. وبمقدورها تصوير المستندات عن قرب، فضلا عن الأبنية والعمارات والأجسام
الكبيرة من مسافة بعيدة، وهذا ما ينم عنه اسمها باللاتينية.

* كاميرات الحمام والأزرار وقبل ظهور التصوير بالأقمار الصناعية كان هنالك
طائر الحمام، فقد استخدمت “سي آي إيه” كاميرا مصممة لحملها من قبل الحمام
على أمل أن تحلق فوق الهدف المطلوب.

لكن أفضل الكاميرات كانت من الصغر بحيث يمكن وضعها في علب الثقاب. وقامت
“إيستمان كوداك” بتطوير واحدة منها وجد مكتب الخدمات الاستراتيجية الأميركية
(الذي سبق الـ”سي آي إيه”) أنها من الخفاء بحيث يمكن استخدامها خلال الحرب
العالمية الثانية.

وبالنسبة إلى عملاء الـ”كيه جي بي” الروسي، فقد كان المفضل لديهم
في السبعينات من القرن الماضي الكاميرات الخفيفة الوزن “إف21”. واستنادا
إلى المتحف العالمي للتجسس كانت عدسة هذه الكاميرا مخفية وراء زر كاذب مركب على السترة.
ولدى قيام العميل، أو المصور، بالكبس على مصراع من بعيد، ينفتح الزر سريعا لالتقاط
الصورة.

ولم تكن الكاميرات الصغيرة التي تخفى في الأشياء العادية التي تستخدم يوميا
وقفا على وكالات التجسس فحسب، فثمة طراز صغيرة من إنتاج “كييف جون بلاير”
(
Kiev John
Player
) مخفية داخل علبة سجائر زائفة،
كانت برسم البيع للسائحين السذج على أنها كانت من النوع الذي تستخدمه “كيه جي
بي”، لكنها كانت كاميرا فعلية بكل معنى الكلمة.

ومن كاميرات التجسس أيضا “شتينيك إيه بي سي رستواتش” (Steineck ABC Wristwatch Camera) الشبيه بساعة اليد، التي أنتجت في ألمانيا بعيد الحرب العالمية الثانية،
ولها ثماني درجات تعريض للضوء، وفقا لـ”المتحف العالمي للتجسس”. وكانت تستخدم
لتصوير الاجتماعات السرية والأحاديث الخاصة.

ولم تكن “سي آي إيه” و”كيه جي بي” الوحيدتين في استخدام
الكاميرات المعقدة، بل انضمت إليهما “ستازي” في ألمانيا الشرقية، إبان الحرب
الباردة في السبعينات والثمانينات. فقد كانت تستخدم أفلاما تعمل بالأشعة ما تحت الحمراء
لالتقاط صور فوتوغرافية في الإضاءة الخافتة والأماكن المظلمة.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.