Sabri Yousef
‏١١ أكتوبر‏ 2020م ·
مَن يَحرقُ الحنطةَ، يحرقُ الحياةَ!
(ومن يحرق البساتين وأشجار الزَّيتون واخضرار الغابات يحرق الذّات والرّوح!)!
7
لا ضوءٌ ولا حوارٌ يلوحُ
في نهايةِ النَّفقِ
احترابٌ على قشورِ الحياةِ
أليستْ مادِّياتُ الحياةِ وسيلةً
من وسائلِ العيشِ؟!
أليستْ زاداً نستهلكُهُ
في مساراتِ العمرِ؟

ابتعدَ الإنسانُ عن رحيقِ الحياةِ
عن أسمى ما في كينونةِ الإنسانِ
لا يفكِّرُ في جوهرِ العمرِ
ولا في مسارِ الخيرِ والوئامِ
خلخلَ الأهدافِ الكبرى وأرقى المرامي!

ظلَّتْ لغةُ النّارِ وشراهةُ الاشتعالِ
طاغيةً على مآربِ الكثيرِ من البشرِ
تومضُ بكلِّ شراهةٍ في مرامي وحوشِ العصرِ
انقلبَ الإنسانُ إلى كائنٍ من فصيلةِ الذِّئابِ
لا يفكِّرُ إلَّا بلغةِ الغدرِ ولهيبِ الدَّمارِ!
وقفَ طفلٌ على مقربةٍ
من هديرِ الاشتعالِ
ينظرُ إلى العصافيرِ الهاربةِ
من لهيبِ النَّارِ ورائحةِ الدّخانِ
انسابتْ من عينيهِ دموعُ أسىً
تمتمَ متسائلاً بحسرةٍ موجعةٍ
مَنْ أحرقَ حنطةَ جدّي
بكلِّ ضغائنِ الحقدِ؟!

أسئلةٌ لا تحصى تنهالُ
على خيالِ الكبارِ والصِّغارِ
حيرةٌ كبرى غلَّفتْ
آفاقَ المبدعينِ والمبدعاتِ
لا تفارقُ أذهانهم ألسنةُ النّيرانِ
المتربّصةِ في شقاءِ العمرِ
ماذا يستطيعُ المفكِّرونَ والمفكِّراتِ
أن يقدّموا لجنونِ ما نراه متفاقماً
على ما تناهى اشتعالاً
في خيراتِ الأرضِ!
يا إلهي ما هذا الَّذي أراهُ؟!
انجرفَ الإنسانُ إلى أغوارِ الخرابِ
أصيبَ بعمى البصرِ والبصيرةِ
فقدَ بهاءَ الجمالِ وسموَّ الأخلاقِ
غاصَ في قيعانِ القبحِ وبُرَكِ الطِّينِ
كيف سيتحمَّلُ والدي
تفشِّي لهيبَ البُغْضِ
فوقَ حنينِ الأرضِ؟!

سقطتْ امرأةٌ عجوزٌ
من صدمةِ الاحتراقِ
احترَقَ حتّى دبيب الأرضِ
لم تنجُ من شراهةِ النّارِ غزلانُ البراري
ولا فراخُ الطُّيورِ ..

صراعُ الإنسانِ معَ الإنسانِ
جنونٌ حتَّى النّخاعِ
شراهةٌ من مذاقِ القبحِ
انجرارٌ نحوَ أنيابِ الضَّواري!
عجباً ما أراهُ في زمنِ طغيانِ القحطِ
قحطِ الأخلاقِ وقحطِ الفكرِ
المجوَّفِ بلهيبِ النّارِ
لا تنمو حبّاتُ الحنطةِ
في سماءِ الشَّرقِ بحرّيّةٍ
فجأةً تشتعلُ هاماتُ السّنابلِ
من استفحالِ شهوةِ الاشتعالِ
لا تنمو الأطفالُ في ربوعِ الشَّرقِ بحرِّيّةٍ
تحترقُ أجنحتهم منذُ أن يتبرعموا
على وجهِ الدُّنيا!

لا تحلِّقُ الطُّيورُ في سماءِ الشَّرقِ بحرّيّةٍ
تتفحّمُ أجنحتُهم الرّهيفة
من هولِ نيرانِ الاقتتالِ
لا تسيرُ الأنهارُ بحرّيّةٍ
في منعرجاتِ الوديانِ
ولا في سهولِ الأرضِ الفسيحةِ
النُّفوسُ الدَّنيئةُ تسمِّمُ مياهَها العذبةِ
تسمَّمُ خيراتَ الأرضِ تحتَ نعالِ البغالِ!
عجباً أرى
إنسانُ هذا الزّمان
يعيشُ في دنيا الغرائز
يحرقُ بهاءَ الدُّنيا
ويسيرُ دونَ حياءٍ في مسارِ الشُّرورِ
كأنّهُ كتلةٌ صمَّاءٌ
فقَدَ سموَّ إنسانيَّتهِ
رمى خلفه أخلاقيّات قرونٍ من الزَّمانِ
متشدِّقاً بشراهاتِ خزعبلات آخر زمن!

مَنْ يحرقُ كل هذا الجمالِ والخيرِ
هل مِنَ المعقولِ
أن يكونَ من فصيلِ البشرِ،
من فصيلِ الدِّفءِ والوئامِ؟!
إطلاقاً
إنّي أراهُ أكثرَ شراسةً
من فصائلِ الافتراسِ
أراهِ من طينِ الأشرارِ
من فصيلةِ أنيابِ الحيتانِ!
يتوهُ المرءُ في دنيا الشّرقِ
في دوّامةٍ متصالبةٍ
معَ شِباكِ القهرِ
ترتسمُ رحلةُ العمرِ
في مساراتِ عذابٍ
كأنّها مجبولةٌ من أغصانِ الأنينِ
يتقولبُ المرءُ عبرَ متاهاتِ عمرِهِ
في حالاتٍ انفلاقيّةٍ
مشرشرةٍ بمواجهاتٍ عقيمةٍ
وصِراعاتٍ ممجوجةٍ على حافَّاتِ الاندحار!

يكبرُ الإنسانُ في رحابِ الشَّرقِ
وتكبرُ معهُ آهاتٌ
تكسرُ ظهرَ الجمالِ والبغالِ
حياةٌ مسروجةٌ بآلامِ الجراحِ
آهاتٌ مكبَّلةٌ بمراراتِ الأسى
كيفَ يتحمَّلُ المرءُ في دنيا الشَّرقِ
اشتعالَ الحروبِ وأجيجَ النِّيرانِ
في أوجِ الحصاد؟!
يولدُ الإنسانُ في ربوعِ الشَّرقِ
على إيقاعِ طبولِ الحروبِ
تموتُ الأحلامُ عندَ ظلالِ المهدِ
يكبرُ وتكبرُ معهُ الأحزانُ
لا تبارحُهُ لغةُ العنفِ والاقتتالِ
أوجاعٌ لا تحصى
تولدُ معه كلَّ صباحٍ
يسيرُ نحوَ غبارِ الرِّيحِ
ينمو على إيقاعِ المراراتِ
لا يجني ثمارَ الخيرِ
من أتعابِ الوالدينِ!

تجتاحُهُ الحروبُ دونَ رحمةٍ
يترعرعُ على دمدماتِ المدافعِ
شرقٌ يسترخي فوقَ كنوزِ الخيرِ
وأبناؤهُ غرقى في لهيبِ الاشتعالِ
تاهوا في أعماقِ البراري والصّحارى
شرقٌ، رغمَ خيراته، يسترخي
فوقَ آبارِ الهوانِ!
بكَتِ الطَّبيعةُ
عندما رأتْ غضبَ النّارِ
يجتاحُ سهولَ القمحِ وبهاءَ الشّعيرِ
ماتَتِ الآمالُ قبلَ انبلاجِ الضُّحى
أينَ تواروا حكماءَ هذا العالم؟
تهدَّلَتِ الشّرائعُ من وطأةِ الانحدارِ!

خيَّمَ الأسى فوقَ ضفائرِ المساءِ
أفشّتِ المدائنُ أحزانها لليلِ الطَّويلِ
امتدَّ الحزنُ حتّى سادَ
فوقَ غبشِ الصّباحِ!

مَنْ سيُنعِمُ على أفواهَ الأطفالِ
خبزاً شهيَّاً قبلَ أن يسقطوا أرضاً
من وطأةِ الجوع؟!
انقذتني القصيدةُ مراراً
من تداعياتِ هولِ الانكسارِ
مَنْ سيروي عطشَ الكهولِ
في قيظِ النّهارِ؟
خروجٌ تام عن حوارِ العصرِ
انجرافٌ نحوَ شفيرِ القهرِ
حروبٌ متأجّجةٌ كلهيبِ الجمرِ
كيفَ فاتهم موتَ الأطفالِ
تحتَ نارِ الأنقاضِ؟!

الحياةُ رحلةُ فرحٍ
فوقَ قبَّةِ الأرضِ
عمرُنا لغزٌ محبَّأٌ
في مآقي السّماءِ
الكتابةُ عبقريّةٌ شاهقة مستنبتة
في كينونةِ الإنسانِ!

كلُّ حضاراتِ الكونِ تبرعمتْ
من شهقةِ الحرفِ
بغمضةِ عينٍ يحرقونَ نعيمَ الأرضِ
تصدَّعتْ قبابُ التّنويرِ
تهشَّمتْ على أنقاضِ اشتعالِ شموخِ القمحِ
أينَ المفرُّ من سيوفِ الغدرِ؟!
تهدَّمتِ المنازلُ فوقَ جماجمِ الأمَّهاتِ
واحترقتْ أجسادُ الآباءِ في العراءِ
ابتلعتْ أَلسنةُ النّيرانِ شموخَ السَّنابلِ
هلْ غضبتِ السّماءُ
من تفاقمِ صراعِ البشرِ؟!

لمْ يتّعظِ الإنسانُ من جحيمِ الحروبِ
كم من الحروبِ المميتةِ خاضَ الإنسانُ
عبرَ تاريخِهِ الطّويلِ في الحياةِ؟
مع هذا ما زال يغوصُ في أتونِ الحروبِ
لا يبالي بجحيمِ القتلِ والموتِ الزُّؤامِ!

تنفرشُ أمامي سهولُ القمحِ
في الشّمالِ السُّوري
فرحٌ غامرٌ يستحوذُ علي مشاعري
ذاكرتي مخضَّلةٌ باخضرارِ السّنابلِ
بكيتُ دمعاً طافاً بالأسى
عندما رأيتُ ألسنةَ النّارِ
تفتُكُ غدراً بخيراتِ أرضٍ من بهاءِ السّماءِ!
………………………………………!

صبري يوسف

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.