Sabri Yousef
‏١١ أكتوبر‏ 2020م ·
مَن يَحرقُ الحنطةَ، يحرقُ الحياةَ!
(ومن يحرق البساتين وأشجار الزَّيتون واخضرار الغابات يحرق الذّات والرّوح!)!
6
الشِّعرُ مطرٌ معبَّقٌ
بأسرارِ انهمارِ خيراتِ السّماءِ
حرفٌ مطرَّزٌ من رحيقِ النّارنجِ
بلسمٌ شافٍ من احتراقِ كنوزِ الغدِ الآتي
سدٌّ منيعٌ في وجهِ الأشرارِ
الكتابةُ واحةُ أمانٍ في زمنِ الانكسارِ
نستظلُّ في فضاءاتِها بأريحيّةٍ رحبةٍ
فراراً من قباحاتِ
ما حلَّ في كوكبِنا اليتيمِ
من انجرافِ تفاقماتِ الاشتعالِ!

يمحقُ الشِّعرُ نيرانَ الحقدِ ولظى البُغضِ
من نفوسِ المقهورينَ
يهدهدُ الرُّوحَ في أوجِ انفتاحِ الجراحِ
لا يهزمُهُ جنونُ الصَّولجانِ
ولا لهيبَ النّيرانِ المتأجِّجةِ
فوقَ مروجِ العمرِ
الشِّعرُ طريقي إلى هلالاتِ النُّورِ
صديقي الأوفى في مرامي الحياةِ!
كم من المعجزاتِ يحتاجُ إنسانُ اليومِ
كي يتأكّدَ أنَّ إلهَ الكونِ
لا يقبلُ الغدْرَ بهذا القبْحِ بينَ بني البشر؟!
عجباً أرى ..
تتهاوى أخلاقيَّاتُ الكثير من البشرِ
نحوَ أقبيةٍ معشَّشَةٍ بالغربانِ
تنحدرُ نحوَ سوادٍ حالكٍ
انجرافٌ نحوَ شغفِ الاقتتالِ
نحوَ بُرَكِ الغدرِ
نحوَ اضرامِ فتيلِ الاشتعالِ!

ينتشلُني حرفي من ضراوةِ التِّيهِ
يضعُني في مسارِ تجلِّياتِ الرّوحِ
الكتابةُ كنزي السَّرمدي المفتوح
على فراديسِ النَّعيمِ
كنزي المحفوظُ في أبراجِ القلبِ
وحدَها الكتابةُ تفتحُ لي أبوابَ السّماءَ
كي أرفرفَ عالياً بينَ أغصانِ الوئامِ
ماحقاً كل ما يعتريني من لظى اللّهيبِ!
تتبرعمُ الحنطةُ بكلِّ بهاءٍ
على هفهفاتِ نسيمِ الصَّباحِ
تعانقُ أشعّةَ الشَّمسِ
كي تمتصَّ حفاوةَ الدِّفءِ
تنمو الحنطةُ كما ينمو الحبُّ
في خضابِ الأرضِ
تناجي حنينَ الشّمسِ وتغاريدِ الطُّيورِ
تمنحُ الحياةَ بركاتِ العطاءِ!

نهضَ الأطفالُ على صوتِ
آهاتِ وعويلِ الأمّهاتِ
بغمضةِ عينٍ انقَلَبتِ موازينُ الحياةِ
رأسأً على عقبٍ
دخانٌ كثيفٌ ملأ أرجاءُ المكانِ
اغبرَّ صفاءُ السّماءِ من نيرانِ الحريقِ
هبَّ الآباءُ والرّجالُ يهرعونَ نحوَ سهولِ القمحِ
كي يطفِئُوا لهيبَ النّارِ
تسمَّرتِ الكائناتُ في مكانها
جوٌّ من الذُّهولِ انهالَ على محيَّا الجميعِ!
يولدُ الجنينُ على أنغامِ زغاريدِ الأمّهاتِ
ترقصُ الأمّهاتُ كلّما ولدْنَ شهيقاً جديداً
ترتسمُ البسمةُ على وجوهِ الآباءِ
عندما يرى الأبُ اخضرارَ الحنطةِ
بعدَ حراثةِ الأرضِ
يغمرهُ فرحٌ من مذاقِ انبعاثِ الوليدِ
ينمو وليدُه وتنمو حنطَتُهُ معاً
الطَّبيعةُ أمُّ الحياةِ في انبعاثِ الخيرِ
الأرضُ غطاءُ الدِّفءِ لكلِّ الكائناتِ!

وقفَ الفلَّاحونَ عندَ تخومِ السّهولِ
رفعوا أياديهم للسماءِ قائلينَ:
يا إلهي ما هذا الدّمارُ الَّذي حلَّ بنا؟!
احترقتْ محاصيلنا فلتظَّتْ قلوبنا
من هولِ الاحتراقِ
مَنْ سلّطَ علينا كل هذا الدَّمارِ؟!
تدمَّرتْ حياتنا على مدى كلِّ الفصولِ
مَنْ يستطيعُ أن ينقذنا من لهيبِ الاشتعالِ؟
وجعٌ لا يضاهيهِ وجعاً اخترقَ لهاةَ الحلْقِ!
البارحة كانتِ الطُّيورُ تحلِّقُ بكلِّ مرحٍ
فوقَ سنابلِ الحنطةِ
تحطُّ فوقَ ظلالِها الخيِّرة
كأنّها في فراديسِ النّعيمِ
فرَّتِ اليومُ بعيداً عن جحيمِ الاحتراقِ
جنونٌ أن يقومَ المرءُ في اشعالِ نيرانِ الغدرِ
أن يحرقَ خيراتَ الأرضِ دونِ أيِّ رادعٍ
تخلخلتْ أجنحةُ الشَّرقِ
من تفاقمِ شراهاتِ الغباءِ!

ما أبهى الكائنات بينَ أحضانِ الطّبيعةِ
وما أقسى الإنسان عندما يحرقُ
أسمى خيرات الدُّنيا
ترنّحتْ السّنابلُ تتدلدلُ مثلَ الفحمِ
تتهاوى على أكوامِ الرّمادِ
هبَّتِ الرِّيحُ فانتشرَ دخانُ الحقدِ
في آفاقِ خيراتِ السُّهولِ
تمتمَ فلّاحٌ من وطأةِ أنينِ الاحتراقِ
ما ذنبنا أن نموتَ جوعاً بينَ سهولِ الخيرِ؟!
الحياةُ رحلةٌ فسيحةٌ
لزرعِ الكلمة الطَّيبة
عطاءٌ موصولٌ بوهجِ الاخضرارِ
ينبتُ الإنسانُ فوقَ خصوبةِ أرضٍ
مرصّعةٍ بأشهى ثمارِ الحياةِ
ينزاحُ رويداً رويداً
نحوَ إغراءاتِ الانزلاقِ

لِمَ لا يتمسَّكُ المرءُ بأجملِ ما في الحياةِ
لِمَ ينحدرُ نحوَ دهاليزِ الشُّرورِ
متشبِّثاً بشهوةِ الغدرِ وضغائنِ القبْحِ
غير مبالٍ بأنهارِ الخيرِ
ولا بهديلِ الوئامِ في صباحاتِ الرَّبيعِ

يستميلُ إلى لهيبِ النَّارِ
كأنّهُ معجونٌ من شراهةِ النِّيرانِ
ينشرُ ما في أعماقِهِ من شرورٍ
يحرقُ بهاءَ الحنطةِ دونَ وجلٍ
كأنّه منبعثٌ من شهوةِ الشَّياطينِ!
ينبعثُ حرفي من أعماقِ الأنينِ
أستوحي معالمي
من تجلِّياتِ حبورِ الخيرِ
الحياةُ صديقةُ حرفي ومهجةُ شعري
تنبعُ القصيدةُ من شهيقِ الحياةِ
من أنهارِ المحبَّةِ وشموخِ الأشجارِ
أكتبُ حرفي من انهمارِ خصوبةِ المطرِ
من حنينِ الشّمسِ لخدودِ الأرضِ
جفلتِ الرّوحُ من تعاظمِ أجيجِ النِّيرانِ!

تاهَ الإنسانُ عن مرامي الحياةِ
فقَدَ بوصلةَ العبورِ في لجينِ العمرِ
حرفي يناغي بسمةَ الكونِ
وحدَها القصيدةُ تنفرشُ بهجةً
على مساحاتِ الحلمِ
تشفي أغوارَ ندوبِ الانكسارِ
ينسابُ حرفي من صفاءِ الماءِ
فوقَ لهيبِ الاشتعالِ
أدلقُ حرفي فوقَ غدرِ الأشرارِ!
أنثرُ آهاتي من نقاوةِ دمعي
أريدُ أن أخمدَ نيرانَ روحي
وأكفكفَ دموعَ الأطفالِ
جرفني الحنينُ إلى ظلالِ الحوشِ العتيقِ
تبرعمَتْ أمامي قامةُ الفلّاحين
يدرسونَ أكوامَ الحنطةِ والشَّعيرِ
مراراً ركبتُ على النّوارجِ
متعةٌ غامرةٌ غمرتني
أيامَ الرّكوبِ على النّوارجِ
أيامَ الحصادِ وقِطافِ سِلالِ العنبِ!

كم كانتِ الحياةُ بسيطةً
معبَّقةً بأشهى مذاقِ العمرِ
رغمَ شظفِ العيشِ
أندهشُ من تصدّعاتِ حضارةِ اليومِ
عبورٌ في أقصى منزلقاتِ القبحِ
ضاعَ الإنسانُ عن رحيقِ الخيرِ
غاصَ في أنهارِ الغدرِ وأجيجِ القيرِ
لماذا لا يجنحُ المرءُ نحوَ ينابيعِ الوئامِ؟!!
يزدادُ كوكبُ الأرضِ ترنُّحاً
نحوَ أجيجِ الجمرِ
فقدَ بوصلةَ العبورِ في هضابِ الخيرِ
لا أرى كائنات بشريّة
بقدرِ ما أرى أنياباً مخرَّشةً بالحقدِ
مرصّعةً بشراهةِ الافتراسِ
تخضّبَ وجهُ الأرضِ غدراً
ما هذا الانغماس في شغفِ الموتِ؟
هاجتِ البحيراتُ أسىً
من تفاقمِ هدرِ الدِّماءِ!

جنَّ جنونُ العصرِ
فوقَ أرضِ الحضاراتِ
هجرَتِ الطُّيورُ أعشاشها
تاركةً بيوضها في مهبِّ النّارِ
هجرَتِ الآباءُ البيوتَ العتيقة
عبروا البحارَ بحثاً عن وسادةٍ مريحةٍ
بعيداً عن الصِّراعاتِ المميتةِ
بعيداً عن شراهةِ فتيلِ الاحتراقِ!
صراعٌ مريرٌ ازدادَ فتكاً
في أجنحةِ البشرِ
مذاهبٌ متناحرةٌ فوقَ بيارقِ الرّعبِ
هرَّستْ خدودَ الأطفالِ الطّريّةِ
انشراخٌ في قبَّةِ الأبراجِ
في أزهى مرامي العمرِ
ماتَتِ الأخلاقُ على إيقاعِ طبولِ الحروبِ
ماتَتْ أسمى الأهدافِ على صليلِ السُّيوفِ

حروبٌ مخندقةٌ بآفاتِ الجنونِ
اندلعَ لظاها فوقَ أجراسِ المدائنِ
هدَّمتْ أبراجَ الحضارةِ ومعارجَ الصَّلاةِ
سمَّمتْ أنهارَ الخيرِ في أوجِ النّهارِ

ازدادَ الصِّراعُ عنفاً بينَ بني البشرِ
من شدَّةِ اهتراءِ تجاويفِ القحفِ
من هولِ تفشِّي السّوادِ
فوقَ أكوامِ الرَّمادِ
شبَّ الاشتعالُ في رحابِ الحقولِ!
…………………………………………….!

صبري يوسف

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.