Sabri Yousef
‏١١ أكتوبر‏ 2020م‏ ·
مَن يَحرقُ الحنطةَ، يحرقُ الحياةَ!
(ومن يحرق البساتين وأشجار الزَّيتون واخضرار الغابات يحرق الذّات والرّوح!)!
5
نظرَ طفلٌ إلى دموعِ جدّتِهِ مذهولاً
من انسيابِ دموعِها فوقَ تجاعيدِ الحزنِ
تيبّستْ دمعتُهُ عندَ تخومِ الأنينِ
جحظتْ عيناه ألماً طافحاً بالأسى
تهاطلَتِ الأوجاعُ فوق أجنحةِ البلادِ
حتّى انبلاجِ الضّحى
أرهقَتْ آهاتُ الأوجاعِ
كاهلَ الصِّغارِ والكبارِ!
تأمَّلَتِ السّماءُ بانذهالٍ
في شراهاتِ الاشتعالِ
عجباً أرى، قالتِ السّماءُ:
أُهطِلُ على بني البشرِ نِعَمي
وهم يحرقونَ دونَ وجلٍ حبيباتِ الذّهبِ
يحرقونُ خيراتَ الأرضِ بوحشيَّةٍ
غير مسبوقة في عالمِ الافتراسِ
بشرٌ مصابّون بهوسِ الضّغائنِ
غاصوا في متاهاتِ الحروبِ والقتلِ
لم يتركوا خيراتَ الدُّنيا وأفتكوا بها اشتعالاً!
متى سيفهمُ البشرُ
أنَّ الحياةَ هبةٌ من الأعالي
هبةٌ معرَّشةٌ بالمحبَّةِ
بحبورِ الخيرِ وبراءةِ السّماءِ
هبةٌ معبَّقةٌ برحيقِ الوردِ
بعيدةٌ عن لغةِ الحقدِ ولهيبِ النَّارِ؟!
الحياةُ فسحةُ عطاءٍ لأبجدياتِ الفرحِ
مساحةُ وئامٍ بينَ البشرِ وبهاءِ الطَّبيعةِ
رحلةُ حبٍّ في مرامي العطاءِ
جنونٌ أن يحرقَ الإنسانُ عمرَهُ
في خنادقِ الحروبِ والقتلِ وآفاتِ النَّارِ
أوطانُنا متأرجحةٌ على شفيرِ النّارِ
تحلمُ بأكاليلِ الخيرِ وأجنحةِ اليمامِ
تاهتْ في صحارى القحْطِ
وفي شفيرِ البراري
كيفَ ستنهضُ مهيضةَ الأجنحةِ
في جوفِ العراءِ؟
بلاءٌ ما بعدهُ بلاءٌ أن نرى بلادَنا
تتلظّى في أتونِ الجنونِ
تنفرُ من لغةِ الودادِ وحنايا الوئامِ
تجنحُ نحوَ سيوفِ الغدرِ وهدرِ الدِّماءِ
تزدادُ غوصاً في قيعانِ الشُّرورِ
مراراً تهاوتْ أحلامُ البنينِ وآمالُ البناتِ
وتقلَّصَتِ الأخلاقُ عبرَ هيمنةِ القشورِ!
حروبٌ معفَّرةٌ بأحقادٍ مرصرصةٍ بدبقِ القارِ
حرقتِ الحروبُ اخضرارَ المروجِ
انحدارٌ نحوَ لهيبِ النّارِ
وجعٌ يتفاقمُ فوقَ ركامِ الأوجاعِ
تاهتِ الأوطانُ نحوَ مرامي القبحِ!
يتصاعَدُ اللَّهيبُ نحوَ تخومِ الأحلامِ
خارتِ القوى من وطأةِ الانهيارِ
إلى أينَ تجرفنا متاهاتُ الحروبِ؟
خرجتِ البلادُ من جلدِها
اشتعالِ شراهاتِ الأشرارِ!
عيونٌ طافحةٌ بدموعِ القهرِ
صراعٌ من شهوةِ اندلاعِ النَّارِ
لا ينتهي إلَّا عندَ شهقةِ الموتِ
ماتَتِ الأحْلامُ عنْدَ انبلاجِ الإشراقِ
تخشّبَتِ الأفكارُ في حيثيّاتِ الحوارِ!
طفحتْ عيونُ العشّاقِ حزناً
تساقطتِ الطُّيورُ مهيضةَ الأجنحةِ
تساقَطَتْ بطريقةٍ مميتةٍ
كأنّها في طريقها إلى لبِّ الانقراضِ
تهاوَتْ فوقَ ظلالِ الأشجارِ
بكاءٌ على مساحاتِ اللَّيلِ
على إيقاعِ أنغامِ الحنينِ
دمارٌ يزدادُ هولاً في أوجِ النّهارِ!
مَنْ يستطيعُ أن ينقذَ رقابَ السّنابلِ
من كمينِ الغدرِ
من سمومِ الأشرارِ؟!
أوطانٌ مذبوحةٌ من الوريدِ إلى الوريدِ
تتآكلُ جبالها من شراسةِ الاكتساحِ
تفشَّتْ لغةُ البغضِ والعنفِ
في أرجاءِ البلادِ
طغَى في برامجِ الجميعِ
نزوعاً فتّاكاً
يصبُّ في مسارِ الاجتياحِ!
أوطانٌ متآكلة من أغلبِ الجهاتِ
هجومٌ مريرٌ على منابعِ الشَّهيقِ
يباسٌ في خيوطِ انبعاثِ الأفكارِ
احترقتْ سهولُ الأوطانِ من جذورِها
استشرى العنفُ في وِهادِ الشَّرقِ!
تصولُ شراراتُ القبْحِ
فوقَ خصوبةِ الأرضِ
تحرقُ أغصانَ الرّوحِ وشرايينَ القلبِ
لا تتركُ شيئاً إلّا تفتكُ بهِ
يموجُ الشَّرقُ في متاهاتِ السَّرابِ!
بلادٌ بِرَهْنِ الموتِ
على قارعةِ اللَّيلِ والنّهارِ
بلادٌ في مهبِّ البكاءِ
لم ترَ منذُ عقودٍ ولن ترى
إلَّا آهاتِ الشّقاءِ
تسيرُ بحسبِ مراسيمِ الحمقى
إلى طريقِ الهلاكِ
أيُّ قدرٍ لعين تربَّصَ بهذهِ البلادِ
كي تتلظّى بكلِّ هذا الاشتعالِ؟!
دولٌ تأكلُ دولاً
كأنّنا في عهودِ الظّلامِ
لا في عهودِ الضّياءِ
دولٌ مرصرصة بالآهاتِ
غير قادرة على الشَّهيقِ والزّفيرِ
إلَّا بشقِّ الأنفاسِ
تضيءُ على بعضِهم نِعمَ الشّمسِ
وترشرشُ فوقَ بعضِهم الآخرِ
موبقاتِ الرّياءِ!
ينبعُ شعري من شفيرِ الاشتعالِ
من شراهةِ سيوفِ الغدرِ
من خرافاتٍ معجونةٍ
من جلدِ الغزالِ
استلهمُ حرفي من طينِ الحياةِ
من شهوةِ انبعاثِ الحلمِ
ماتَتْ الآمالُ قبلَ انبلاجِ الشَّفقِ
ماتَتْ مرامي الرّوحِ قبلَ أن تحلِّقَ عالياً
في مآقي السّماء!
أستوحي شعري
من شراراتِ وميضِ البرقِ
من صهيلِ الأحصنةِ
في أوجِ الاختناقِ
من طفوحِ دموعِ الأمّهاتِ
من لوعةِ بكاءِ الأطفالِ
من هولِ الاحتراقِ
أنسجُ شوقي فوقَ اخضرارِ الحلمِ
ينسابُ حرفي معَ أنغامِ هديلِ اليمامِ!
استفحلتْ خيوطُ الغدرِ
فوقَ رحابِ الأحلامِ
حرقتْ بسمةَ الوليدِ في صباحِ العيدِ
غاصتْ في لذائذِ الحصادِ بكلِّ حقدٍ
كأنّ لغةَ الغدرِ تضاهي عصورَ الجليدِ
تخلخلتْ أجنحةُ البلادِ
على أيدي جلاوزةِ العصرِ
تلظَّتْ خدودُ القصائدِ
من تفشِّي أورامِ القبحِ!
تفسَّختِ الأخلاقُ عن بكرةِ أبيها
كأنّنا نرزحُ اشتعالاً
في عصورِ العبيدِ
انشراخٌ في صدغِ المدائنِ
في ظلالِ البيتِ العتيقِ
هربَتِ الحيواناتُ الأليفةُ من شراسةِ الإنسانِ
فاستقبلها لهيبُ النّارِ
أينَ المفرُّ من جنونِ العصرِ
من ممارساتٍ طغَتْ على أقبحِ القباحاتِ؟!
الشّعرُ وهجٌ متطايرٌ
من شهقةِ الشَّمسِ
لغةٌ منبعثةٌ من حبورِ الرُّوحِ
كينونةٌ مجنّحةٌ نحوَ زرقةِ السّماءِ
نعمةٌ مكرّسة لتجلِّياتِ جموحِ الخيالِ
حبقٌ مبهجٌ للقلبِ
حنينٌ متدفِّقٌ من حبورِ الأحلامِ
ينثرُ فوقَ خميلةِ العمرِ بذورَ الخيرِ
يغدقُ على الكونِ لغةً
من نكهةِ التّفاحِ!
يسقي الشّعرُ في أوجِ اشتعالِهِ
حنينَ الصّحارى
يشمخُ عالياً كأنّهُ منبعثٌ
من اخضرارِ بهاءِ السّنابل
يرسمُ معالمَ الأحلامِ
في أوجِ الانكسارِ
يخفِّفُ من ضراوةِ لهيبِ الاشتعالِ
كأنّه صديقُ كائناتِ الكونِ!
لا تبارحُ قامةُ والدي خيالي
يهدهدُ حضورُهُ ذاكرتي
ما كانَ يتركُ سنبلةً تسقطُ منهُ أيّامَ الحصادِ
يسنُّ منجلهُ كي يقطفَ ثمارَ الخيرِ
والدي سنبلةٌ شامخةٌ على وجنةِ الزّمنِ
مراراً حرسَ سهولَ القمحِ
من الحيواناتِ الشّاردةِ
حماها مجّاناً من النّفوسِ الضَّعيفةِ
عبرَ البراري متمتّعاً بحنطتِهِ
وهي تنمو مثلَ الوليدِ
هل جنَّ جنونُهُ في القبرِ
عندما رأتْ روحُه شراهاتِ الغدرِ؟!
هلْ تلظَّتْ عظامُهُ من هولِ الاشتعالِ؟
هلْ همسَ للهِ
عمَّا وصلَ إليهِ جنونُ البشرِ؟!
كيفَ تركَ اللهُ أشرارَ العالمِ
يحرقونَ خيراتَ الأرضِ؟!
….. …….. …………. ……..!
صبري يوسف

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.