المبدع العربي بين جينات الإبداع ومعوّقات العقل

رغم إيماني المطلق بأن العرب مبدعون بالفطرة ومتميّزون بالوراثة على مرّ الأجيال وفي عدة مجالاتٍ وحقول، إلا أني طالما كتبت وتحدّثت عن سوء استغلال المبدعين العرب لطاقاتهم وإبداعاتهم وميلهم للفخر والزهو بها أكثر من تخطيطهم وتركيزهم على تطويرها أو حتى ديمومتها.

المبدع العربي تجبره بيئته أن يكون أقرب لشخصية “الشاكي المتذمّر من المشاكل” منها لشخصية “الباحث والمخترع للحلول”. وتأثير هذه الشخصية الواسع الانتشار في الوطن العربي يتسبّب في وجود مئات المبدعين العرب من ذوي “الإنجازات البخيلة” .. وأعني بذلك من يبدعون في صناعة منجزاتٍ فنية ذات مستوى عالٍ ثم يقفون عندها ويدخلون في سباتٍ عميق وبياتٍ فنيّ طويل الأمد. السبب هو عدم تقدير هذا الإنجاز الفني من أحد ! المشكلة هنا في العقلية المسيطرة على المبدع .. انتظار المجد والشهرة والتقدير بعد كل إنجازٍ حتى لو لم يخبر أحداً به ..

كما لاحظت أن هذه الشخصية ذات فكرٍ مغلقٍ منطوٍ على الذات رافضٍ لسياسة النوافذ العقلية التي تسمح للشمس والهواء بالدخول والتفاعل. تجده مُثقلاً بأدواتٍ فنية مهترئة شديد الفخر والاعتزاز بها وشديد العناد تجاه تغييرها أو حتى إزالة الصدأ المتراكم عليها. رغم أن النتائج لا ترضيه فهو مصرّ على سياسته الفنية علما بأنه يعرف المثل الصيني الشهير “الجنون هو أن تفعل نفس الشيء كل يوم وتنتظر نتائج مختلفة”.

تجده يتحدّث عن إنجازه الذي قد يكون يتيماً لعشرات السنين بكل فخرٍ وزهوٍ وتبجيلٍ للذات ونقدٍ لكل البشر والحجر والمخلوقات حوله لأنه رفضت مشاركته في تقديس هذا الإنجاز.

قابلت خلال رحلاتي لبريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها عدداً من الفنانين والموهوبين العرب، لديهم ذات الجينات العربية المبدعة الخلاّقة. لكن المميّز فيهم هو اعتيادهم للعطش المعرفي والمهاري بشكلٍ يوميّ، كل يومٍ بالنسبة لهم هو ملعبٌ مفتوح للاستزادة من المعلومات والخبرات والثقافات والجديد النظريّ والعمليّ وحضور كافة الأحداث المتعلقة بمجالات إبداعهم من محاضراتٍ وندوات وغيرها والتقرّب لذوي الخبرة والباع الطويل في نفس المجال. وعندما تستكشف خرائط عقلياتهم تجد أن الفخر والخيلاء بإبداعاتهم هو آخر اهتماماتهم بل على العكس هم يعتبرون أنهم لم يحققوا شيئاً يُذكر ! لأن أذهانهم مدرّبة ومبرمجة على المقارنة بالروائع العالمية في نفس المجال. لذا هم يعيشون بعقلية الاسفنجة المتواضعة المستعدة لامتصاص كميّات لانهائية من المعرفة والمهارة والتطوّر.

عزيزي المبدع العربي .. تأكّد أن مشكلتك ليست أبداً مع استعدادك للإبداع. فجينات عقلك جاهزة له تماماً، إلا أن العوائق التي تقف أمامك موجودة في طريقة تفكيرك ..

في المنظار الذي ترى به الحياة.المصدر : المجلة الفوتوغرافية العربية – العدد الثالثhttp://arabphototalents.com/jo</p>

  • أنت و‏‎Sahar Alzarei‎‏ و‏‎Saad M. Al Hashmi‎‏ و‏‎Sahar Smadi‎‏ و‏‏37‏ آخرين‏ معجبون بهذا.
  • Soliman Gafar كلام رائع وموزون … دمتي بود أختي Sahar Alzarei
  • Thoraya Abdel Khaliq أكثر شئ يمتعني هو قرائتي لمقالاتك المبدعة واللتي تخاطب ذوي العقول المثقفين .. بجد رائعة .. أنتظر جديدك بترقب … الله يحفظك smile رمز تعبيري
    • Mohammad Abu AlKomboz سحر، الجينات الابداعية موجودة بالعربي بالفطرة اتفق معك، ولكن هناك عوائق بالاغلب يصنعها العربي امامه تعيق تقدمه وتحقيق انجازات على مستويات اعلى، هذا ما نقول عنه في التنمية ثقافة الشماعات، اعتقد ان الابداع اذا كان حبيس العقول والكتب لا فائدة منه طالما لم يسخر الى سلوكيات وممارسات على ارض الواقع، تاخر الدول العربية في تحقيق تقدم علمي وتكنولوجيي يرجع الى عدم استثمار هذا الابداع وعدم توفير بيئة ترعى المبدعين، علينا العمل بالتوازي لتحقيق التنمية انشاء حاضنات ابداع بالاضافة الى بناء ثقافة للمبدع بان يكون مثمر ومنتج للمجتمع، دومتي بود يا سحر.
    • Summer Mansour Mekawy بصراحه انا اول مره اجي عند كلامك واقف .. والله ما عندي رد بعد كلامك …

      بعشق اني اقرا حكاياتك


      عشان كده انا هشير البيدج لانك رائعه بجد …
      سامحيني لو معرفتش ارد …
  • Sahar Smadi استاذة سحر ،، مقال فيه ابداع للمبدع العربي ، الذي يبحث عن تطوير الذات سلمت ودمت استاذة
  • Sahar Alzarei

    Soliman Gafar: شكراً سليمان
  • Sahar Alzarei

    Lovely Smsma: كلك ذوق .. تشرفني متابعتك
  • Sahar Alzarei

    Mohammad AlKomboz: البداية تأتي من العقلية القادرة على استشعار الأدوات المتوفرة للبدء بالعمل. حاضنات الإبداع موجودة نعم ليس كما نطمح لكنها موجودة في بعض المجالات وهناك من يستثمر وجودها إبداعياً
  • Sahar Alzarei

    Samar Mekawy: وكلماتي سعيدة بعشقك لها smile رمز تعبيري دمتِ بخير صديقتي سمر
  • Sahar Alzarei

    Hussain Abdulla: لماذا أريد أن أبدع ولمصلحة من ؟ هذه الأسئلة لا تخطر ببال المبدع الحقيقي نهائياً ! .. للعلم فقط. أما الدعم والمساندة فهي قضية نناقشها عندما ننتهي من صياغة عقلية المبدع المستعدة لاستثمار الدعم
  • Sahar Alzarei

    Sahar Smadi: تسلمين د سحر شرف لي الكتابة في مجلتكم المميزة
  • Sahar Smadi العفو استاذة سحر الشرف لنا في المجموعة بانضمام صوت عربي مبدع شدوه يصل لكل المهتمين بعالم التصوير ويساندهم كصوتك وقلمك،، دمت بكل خير ومحبة
  • Yahya Massad

    Sahar Alzarei أسعد الله صباحك أستاذة سحر .. الإبداع ليس مجرد كلمة أو بضع مفردات بل سمة نعتز بها نحن البشر أوجدها الخالق عز وجل وأكرمنا بها للتفوق على كافة الأجناس من المخلوقات .. نعم أنه من الجنون أن تفعل نفس الشيء كل يوم وتنتظر نتائج مختلفة .. هذا هو الواقع المستشري بين الأغلبية .. يقيسون خبراتهم بالسنوات التي يتكرر فيها نفس الفعل دون تطوير لذاتهم أو خبراتهم ومهاراتهم .. يكررون نفس الأفعال على إعتقاد وإيمان أنهم سيحصدون نتائج جيدة قد تكون نجحت لعوامل مختلفة في وقت ما والصدفة إحداها أو هي كل شيء ..أولئك هم الواهمون الذين يرفضون التاريخ ويؤكدون أنهم بناة للمستقبل .. بارك الله في طرحك وفكرك وأتمنى إلقاء المزيد من الضوء على هذا الموضوع لإثراء العقل العربي وتنميته للوصول إلى الفهم الحقيقي للإبداع .. لأن مفهوم الإبداع الحقيقي قد يكون غائباً عن العقل ولهذا تتكرر النتائج بلا إبداع
  • Kaltham Abdulla الأستاذة العزيزة سحر الزارعي
    العقل العربي الفذ سيظل مصدر إبداع والهام لكل الثقافات والحضارات
    واكبر دليل على ذلك ترجمة العلوم العربية وهجرة العقول العربية وكثييير اخر
  • Sahar Alzarei

    Kaltham Abdulla: العزيزة أستاذة كلثم صدقتِ ببراهينك وكلنا أمل بعودة العقل العربي لمراتب الصدارة التي يستحقها. أسعدني تفاعلك شكراً لكِ
  • Sahar Alzarei

    Yahya Massad: فعلاً نسبة كبيرة جداً من الخبرات في السير الذاتية هي خبرة عام أو عامين مكررة على مدى أعوام ! وتجدهم يتحدثون عن الإبداع دون فهمه ! أشكرك على اهتمامك وتعليقك وسعيدة بالكتابة في مجلتكم المميزة
  • عبد العالي الاشتري العقل العربي مبدع في كل المجالات الدليل موجود صلاح حيدر عراقي من مبدعي فن الفوتوغراف نيازي من مبدعي الترجمة ترجم الكثير من الكتب واخرين كثروا
  • Joseph Magdy الخطاء الحقيقي الذي وقعنا فيه هو إختزال أزمة الإبداع العربي في إستبداد السلطة وسلطة الكهنوت الديني وتناسينا ربما عمدا أزمة المثقف والمبدع ذاته وبالتحديد في عدم عطشه الثقافي والمهاري والمعرفي كما ذكرتي في جملتك الرائعة ومقالك الأروع وتشبيهك الدقيق الذي لخص الإشكالية وحدد الخلل الحقيقي في المبدع العربي والمثقف العربي في عد
  • Joseph Magdy غدم قدرته علي الإمتصاص الإسفنجي للعلم والمعرفة وبالتالي عدم القدرة علي التفكير النقدي التحليلي ونقد السائد..تحياتي ولأنه إن كان رب البيت بالدف ضارب فشيمة اهله الرقص إنتقل القصور من المبدع للعقل الجمعي العربي

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.