صورة للشاعر محمد يلقاسم خمار

الثورة في الشعر الجزائري والمعجم الثوري لمحمد بلقاسم خمار
السيدة : حبيب دحو نعيمة

صورة للشاعر محمد يلقاسم خمار
الثورة في الشعر الجزائري والمعجم الثوري لمحمد بلقاسم خمار

الجمهوريــة الجزائريــة الديمقراطيــة الشعبيــة
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة وهران
“الثورة في الشعر الجزائري والمعجم الثوري لمحمد بلقاسم خمار”
إعداد الباحثة: حبيب دحو نعيمة
إذا خصصنا الحديث عن الثورة الجزائرية يجب أن نستنطق بعض ما سجلته الأقلام و الكتابات من وقائع و أحداث، فقد صقلت ثورتنا قرائح كثير من الأدباء و الشعراء في جميع أقطار العروبة و استقطبت اهتماماتهم و لعل الأدباء الجزائريين لاسيما الشعراء منهم كانوا أكثر هياما و تعلقا بها، فكان من أبرز الشعراء الذين خلدوها و تغنوا ببطولاتها الشاعر الجزائري محمد بلقاسم خمار إذ تميز بفرط إعجابه بالجزائر و ثورتها، و كان له الفضل الكبير في جمع و ترتيب ما كتب عن الثورة الجزائرية.
و لئن برهن شعراء الجزائر إبان الثورة التحريرية المباركة بإمكاناتهم الفنية المتواضعة فإنهم برهنوا حقا ” بما لا يدع مجالا للشك على أن الواقع المباشر يمكن رفعه إلى أفاق شاعرية دونما أي سقوط في الابتذال النثري، أو التقريرية الممقوتة، كما برهنوا على أن الكلمة يمكن أن تستحيل رشاشا مدويا في وجه العدو، تقض مضجعه، و تستثير رعبه، و تكون في الجانب الآخر ملهمة للثوار و حمالة هموم شعب ينشد الحرية و الاستقلال”1 ..
ففي كل معركة قومية أو اجتماعية في تاريخ العرب الحديث نتاج أدبي تؤدي إلى تغيير الأنفس، فكان الأدب دائما هو الشرارة الأولى التي انطلقت منها الكبرى، تلك الثورات التي حررت الإنسان من قيود العبودبة و الظلم.
” إن الثورة التحريرية المجيدة التي شنها الشعب الجزائري الأدبي في غزة نوفمبر سنة 1954 ضد قوى الاستعمار الفرنسي البغيض قد فتحت مجالا فسيحا أمام الأدباء و الشعراء و خولت لهم الانطلاق من قيود التخلف و الجمود “2
كان لهذه المرحلة الحاسمة الحافلة بالأحداث و الأفكار الجديدة الأثر الواضح في الأدب، حيث أن ظروف النضال كشفت للأدباء عن إمكانيات عديدة و تجارب زاخرة دفعتهم لمعالجة مواضيع جديدة و متنوعة، و يبقى أدب النضال ذا أثر فني فعال، و محركا و عاملاعلى التغيير استخدمته الأمة الجزائرية بخاصة و الأمة العربية بعامة سلاحا لتحطيم قيود الاستعمار الغاشم و سلاحا لتغيير الواقع المر.3
إن الإحساس بحب الوطن أصبح أمرا مقدسا في العصر الحديث، و لم يعد دار إقامة أو حمى كما يعبر عنه الشاعر القديم، و قد مهد إلى تعميق هذا الإحساس كل من الشاعر الإحيائي و الوجداني حيث أصبحت أو
كانتا هدفا للاحتلال و التدمير.4
و لعل أبرز من القضايا التي هزت كيان الإنسان العربي في العصر الحديث هما القضية الفلسطينية و الثورة الجزائرية، إلا أننا نحن نجدر الإشارة إلى الثورة الجزائرية لأنها زادت من وعي الأنسان العربي أن يتحرروا من سلطانه و جبروته،و لقد تجاوب الوجدان العربي مع الثورة الجزائرية أيما تجاوب لأنها كانت ثورة شعب بأكمله،شعب يريد أن يحقق حريته و إستقلاله عبر الدم و التضحيات ومن ثم نلحظ أن الشاعر العربي إنفعل بمشاهدة البطولة الجبارة كبطولة الشهداء الأبرارأمثال جميلة بوحيرد و العربي بن مهيدي فالشعب الجزائري كله كان مثالا للبطولة إن لم تكن جبال وأحجار تلك الأرض الطيبة و أرض العروبة.
الظلم الذي يتجاوزالحدود و الثورة كفعل إنساني،بإعتبارها من الظواهر المهمة جدا في تاريخ الشعوب و هي إنتفاضة الشعب ضد التغيير و تحقيق العدالة الاجتماعية و من خلال الثورة يطلب الإنسان التحرير.
و ما يخص الحديث عن إرهاصات الثورة في الشعر بالتطرق لحوادث الثامن من ماي 1945 و وصفها بأنها بداية التحول في الكفاح بانتهاج أسلوب أكثر واقعية و نجاعة في الاقتراب من الهدف المطلوب و هو الضفر بالحياة بعد الحصول على الحرية و وصف لموقف اندلاع ثورة التحرير ليلة الفاتح من نوفمبر الخالدة، من خلال بعض النماذج لمساهمات شعراء الثورة أمثال محمد العيد آل خليفة و مفدي زكريا و الربيع بوشامة و شاعرنا خمار و التي كانت أداة فعالة للتأثير على الشعب أحيانا و أحيانا ذكر بشاعة العدو، فالشعراء في كتاباتهم الشعرية قاموا بفضح دسائس الاستعمار كونهم اتجهوا إلى المناجاة و الرمز، كون شعر الثورة يعتبر السجل و الرسالة الخالصة، حيث استطاع الشعر التأثير في مسار الثورة و أن يلهم هذا الشعب القوة و العزيمة للتحرك و القضاء على العدو، و استجابة الشعب و تفجير ثورته، فالشعر هو الملهم للشعب و الملازم له و هذا ما وضحه خرفي صالح في مقولته :”إن الشعر الثوري الملتصق بالثورة في سهولها و جبالها في مغاورها و كهوفها، المنصهر فيها وثبة فدائية في المدن، أو ملحمة عسكرية في الجبال، الملتزم بها كرا و فرا، هزيمة و نصرا، هذا الشعر يكاد يكون العمود الفقري لإنتاج الثورة “5
تزامنت الثورة الجزائرية مع ظهور ثورة على التقاليد الشعرية، فقد عرفت تلك المرحلة قفزة إلى الإبداع، و تحولا عن التقليد إما على مستوى الشكل و إما على مستوى الموضوع الشعري، فالشعر يشمل قصائد متنوعة
فبعضها يصدر من معين الشعر العربي القديم لم تخالطه رياح التجديد و البعض الآخر أخذ منبع التجديد فتنوعت القصائد ما بين الشعر الحر و الشعر العمودي منها السياسي و الملحمي و الثوري، أما من حيث الموضوعات فلم

تثبت القصائد على معالجة موضوع واحد بل استطاعت أن تصور الثورة الجزائرية في جوانبها المتعددة فمس الكتاب في جوانب كثيرة منها موضوع النصر و الحماسة و الحرية و الاستقلال، و تناول الشعراء وصف المعارك و ذكر المدن و طبيعة الاحتلال حيث نجد معظمهم يرددون مدنا جزائرية و معاقل المجاهدين و الثوار، أو مناطق ثورية شاهدة كجبال الأوراس و مدينة بسكرة، وهران، مشرية أو بعض الأسماء لكبار الشهداء و المجاهدين و هذا ما نلمسه في شعر خمار.
و بذلك كانت ثورة مثالية متكاملة حققت كل المكاسب فوق أرض المعارك المسلحة و في مختلف المحافل، واستأثرت بمكانة مرموقة في قلوب أنصار الحرية و سجل التاريخ للجزائر من خلالها أروع الصفحات و أشرفها و تخليد أعظم الذكريات في مواقف الشهامة و الشجاعة6.
و قد كانت ثقافة الشعب تتمثل في طباعه و أخلاقه و قيمه و عاداته العربية الإسلامية هي السلاح الإنساني للذود عن الكيان و الانتصار على الصمود المعجز في جبهات النضال للقضاء على أية محاولة عدائية للسيطرة و النفوذ من أجل الحرية ،فالشعر فن من الفنون الأدبية التي تختلف مستويات فعلها و تأثيرها في الأمم سواء منها تلك التي تنتج هذه الفنون أو تلك التي تتلقاها عبر وسائط مختلفة،مما هو مرهون بطبيعة الظروف و بمقدرة الفنان ،و على هذا الأساس يتضح أن الشعر ديوان العرب،عكس أوضاعهم و حياتهم و عاداتهم و تقاليدهم و حربهم و آمالهم إما في نطاق عام أو خاص.
و لقد طبعت الثورة مسيرة الشعر الحديث في الجزائر من خلال القضايا التي عكسها الشعر الجزائري في هذه المرحلة من تاريخ البلاد و الموضوعات التي تناولها و كان الشعر نتائج مرحلة هامة من نهوض الحركة الوطنية عموما و الحركة الإصلاحية خصوصا و ثورة نوفمبر بالأخص تفاعل معها و عبر عنها تعبيرا صادقا بود و إخلاص فجسد جوانب مختلفة مما كان يتفاعل في المحيط من قضايا و انشغالات و طموح وآمال ،فكان.بذلك نغما جوهريا في صوت الجزائر بوجهها العربي .
انبثق الشعر في الجزائر في هذه المرحلة من صلب بيئة عربية إسلامية شاهدا على مأساة الحياة الإنسانية تحت الاحتلال الفرنسي الذي جثم على الجزائر قرنا و اثنتين و ثلاثين سنة 1830/1962 ،فوجد الشاعر الجزائري نفسه منذ فجر فتوته في مواجهة المحنة استبدادا و ظلما و قهرا و هذا ما دفعه إلى احتضان الأمة الإسلامية بأشعاره العربية فاتسعت رواه و عبرت عما جاش في خوالجهم متحسسا آلام الوطن و في هذا الصدد تعاطفت أقوالهم و

اتحدت أقلامهم، فالشعراء الجزائريين كثر كلهم عبروا عما احترقت نفوسهم عن الوطنية و القومية و الدينية و الانسانية.
فثورة نوفمبر قد أثرت في عدة جوانب منها الجانب الاجتماعي للشعب الجزائري إذ أظهرت الفرق بين الرجل و المرأة إتجاه الواجب المقدس الذي تمثل في تحرير الوطن و من حريات المرأة نجدها أنها قد أطلقت العنان للقوى الكامنة فالتفتت حول جبهة التحرير الوطني و أدت مسؤوليات، بغض النظر عن الرجل الذي ضحى بكامل قواه ، لذلك نجد معظم الشعراء تغنوا ببطولات و تضحيات مقدمة للوطن
و عليه يتضح للقارىء أن الفرق بين الرجل و المرأة إبان الثورة حتى و إن اختلف النضال بينهم و اختلفت مهام المرأة عن الرجل فكلاهما حارب و جاهد لنيل الحرية بمصداقية تركت بصماتها و فاعليتها في النفوس، فخمار يربط بين المعاناة و التجربة، فالشعر معاناة لا يمكن للقارىء أن يتذوق هذه القصيدة أو تلك، إلا إذا كان قد عان التجارب الموجودة فيها 7، و حتى تكون قارئا جيدا في نظر محمد بلقاسم خمار عليك أن تعاني تجربة الكتابة الشعرية أي تعيش تلك اللحظة بالرغم من بعد الزمان، و تكتوي بلهيب عذابها، و أن يكون لك حس فني تتخذ منه جوازا نقديا للإبحار في الذاكرة الجمالية لعالم النص الشعري8.
لقد كانت موضوعات الشعر الجزائري الذي تناولت الثورة الجزائرية فجمعت بين الحديث عن قوة الثورة ،و بطولات الثوار و أمجاد جيش التحرير و ما خاضه من معارك عديدة و تشجيع الجزائريين على إثبات
كيانهم بنيل الإنتصار،كما سجلت أسماء بارزة في سماء الثورة أمثال:مفدي زكريا قائلا:
شربت العقيدة حتى الثمالة فأسلمت وجهي لرب الجلاله9
إضافة إلى شاعرجزائري هو الأخر هزه الحدث الثوري عبد الكريم العقون قائلا:
أنت سر الوجود يا صبح فانشر نورك المستفيض في الفلوات10
و كذلك محمد العيد آل خليفة هو الأخر سئم الضجر الثوري و الاحساس البائس الذي جعل من عمره في
الثمانينات و هو ابن العشرين مسلما بقوله الشعري:
سلمت و إن كنت ابن عشرين حجة أردد حوادث لا تنفك مستعرات11
و بهذا يبقى أدب النضال يؤدي دوره الفعال في بث الروح الثورة في الأمة و بث الثقة في طاقاتها، إذ نجد كل ثورة نفسها ملزمة بإيجاد صوت من الأصوات يعبر عنها، و يدعو لها و يحرض الشعب على الكفاح

المسلح و يقوي إيمانه بالنصر، لذلك نجد هذا الأدب غزير المادة، كثيف الاحساس و أكثر تأثير و ذات قرابة من النفس، و هذا ما نلمسه في ديوان مفدي زكريا تحت عنوان ” اللهب المقدس “: لم أعن في اللهب المقدس بالفن و الصناعة عنايتي بالتعبئة الثورية و تصوير وجه الجزائر الحقيقي بريشة من عروق قلبي غمستها في جراحاته المطلوبة.12
و بما أن الحديث يروقنا إلى الثورة في الشعر الجزائري فعلينا أن نركز اهتمامنا على الحقل الدلالي للثورة باعتبارها عامل أساسي حرك الشعراء إلى نبض الحس الثوري و مدى معاناتهم في مر الزمان، لذا خصصنا الحديث عنها بصفة عامة في الشعر و بصفة خاصة عند محمد بلقاسم خمار.
المعجم الثوري عند محمد بلقاسم خمار :
المعجم الثوري هو فرع من المعجم الشعري الذي اعتمد عليه خمار ضمن خطاباته الثورية فمن خلال الدواوين الذي اعتدنا عليها في دراستنا، حيث نرى أن خطابه كان صريحا ضمنيا أمام الشعب الجزائري، فالشاعر محاوره اختلفت ما بين ثوري من الصراع العالي وما بين الهدوء و الرزانة وهذا ما أكد تسلسل المعاني ومنطقيتها، كل حدث عاشه الشاعر إلا وكان أمرا حقيقيا لدى المجتمعات الجزائرية.
والأمر الذي يلفت انتباه القارئ هو أننا نلحظ معجمه الشعري ثائر ممزوج بألفاظ الحزن والعذاب الأليم و شقاوة الحياة من جهة ومن جهة أخرى التطلع لوجه الحرية وكل هذا كان وفق الظروف المعيشة آنذاك، فألفاظ الشاعر كانت تنبع من نفسية حملت أُتُون الحرب و مواجهة التحدي، فألفاظ الشاعر كانت نفحا من نار تلفح وجوه المستعمر وفي الوقت نفسه معركة حركت نفوس الثوار، فشعر خمار كان قائما في جوهره بين وضعين متناقضين في الحياة فالأول يمثله الواقع الحاضر بكل الجوانب الإجتماعية ،والدينية، والسياسية …إلخ، والثاني قائم في الذهن ومن خلال هذه الثنائية يتضح أن اللغة الشعرية المستخدمة عنده توزعت على طرفي هذه الثنائية وبالتالي يرتكز على مبدأين وهـــــــــما: الثورة التي يقابلها الواقع الحاضر أما النصر فيقابله العالم المتخيل المنتظر.
الثورة هي المصدر الأساسي الذي يستمد منه النص الشعري عند خمار لغته، حين يكون الأمر متعلقا بها (الثورة)، إلا أن معظم قصائده التي قالها في مرحلة الثورة التحريرية تغنى بأمجادها وهذا ما كنا بصدد دراسته، حيث تطرقنا إلى ديوانه الموسوم بــ “ظلال وأصداء”13 وهذا ما كان أكثر إحتواء على القصائد التي حملت الطابع الثوري و خاصة في تلك الفترة، وعليه كان في جل قصائد الثوار المنطق الثوري هو الذي يفرض نفسه في النص الشعري

فالشاعر لم يكن تقليديا وإنما كان مصيره شق الطريق نحو الحرية، فخمار كان في كتاباته مُتَمَهِلا مستعينا بالمنطق والعقل بدل العواطف الجياشة وهذا لا يدل على تحليله عن الإحساس الوجداني.وإنما كان بطريقة ما نالت الحس الثوري كلماته كانت كالرصاص يدوي الأسماع مرددا صوت الحرية، منددا بالقهر والظلم.
يقول يوري لتمان عن طبيعة المعجم:>>رغم كل الأهمية التي يكتسبها كل مستوى موضح في النص الفني تشكيل البنية الكلية للعمل، فإن الكلمة تبقى الوحدة الأساس للبناء الفني اللغوي، فكل الطبقات البنيوية ما تحت الكلمة (التنظيم على مستوى أجزاء الكلمة، و ما فوق الكلمة ) التنظيم على مستوى المتواليات لا تكسب دلالتها إلا من خلال علاقتها بالمستوى المشكل من قبل الكلمات <<14 .
وعلى هذا الأساس فإن للمعجم قدرة كبيرة على تحديد البنيات الدلالية الأساسية في النص على الرغم مما للأصوات و المستويات غير اللغوية التنميقية من قدرة إيحائية فإن دراسته تتيح لها الكشف عن الحقول الدلالية وتحديدها داخل النص كمفتاح لتحديد البنيات الأساسية لها .
الحقول الدلاليـــة :
يتضح بعد دراستنا للمعجم الثوري لدى خمار أنه كان مفعم الإحساس نصوصه مملوؤة بالحيوية والحركة في حديثه عن صدى الحرب، فحضور الشاعر كان جسديا وعقليا، حيث كان شاهد عيان لأحداثها، وفي نفس الوقت الإفصاح عن معاناته فقد جعلها رمزا يواسي بها الحياة، إنها تعبير عن لا جدوى الآلام البشرية وعليه كانت نصوصه حافلة بحقول دلالية تختلف من حقل لآخرإلا أن لفظة “الثورة ” تمثل النواة الدلالية حيث ارتبطت بها عدة
معاجم كونها خاصة بالإنسان.
فالشاعر جسد ظاهرة الحرب التي ارتبطت بعامل الموت دون أن يحكمها بعنصر الزمان ومن داخل هذا التصنيف يظهر تألف المعجم.
الحقـــل الدلالــــــــي للثــــــــــورة :
شكلت الثورة محورا أساسيا عند الشعراء الجزائريين لأنها أسالت الجبر الكثير و أراقت الّهم، لأنه الوطن ولأنها حرقة الوطن التي ولدت في نفس الشاعر صمودا وتحديا، فأخرج الشعب من سباته تأثرا غاضبا رغم نقص العدة و العتاد.
الثورة مصطلح ينبع من الثورية، فهي لفظ ظل يستمد ماهيته من عنفوان الذات وتمرد الشعوب وحركية التاريخ، فأبحاث اللغويين القدامى تنحدر بدلالته الأولى إلى مادة:
أ-ثأر، ومنها الثأر:الطلب بالدم15 ، ابن منظور كان في موضع آخر يورد هذا المعنى مخصصا : “وقيل:الدم نفسه” 16 ، ثم جعل لفظ “ثأر”من الأضداد في قوله :”الثأر: الطالب، والثأر: المطلوب”17.
هذا اللفظ اقترن في دلالته السياسية الحديثة بنضال الشعوب الأدبية وطموح الأمم العربية إلى التحرر فخمار في دواوينه استعان بهذه اللفظة ليستلهم من ماضي أمته و حاضرها أسباب العزة والشموخ والأنفة فثورة الجزائر أعتقت الرقاب وحررت العقول وشيدت للوطن صرح مستقبله.
وفي خضم هذا الصراع تصبح مهمة الشاعر صعبة وأكثر تعقيدا لأن مهمة الشاعر تصبح مزدوجة، إن ثوريته يجددها نشاطه داخل حركة الفعل، داخل الجماهير، بواسطة الشعر هذا النشاط الذي يؤثر على نشاطه داخل الشعر نفسه18 ،إمترجت إذن الكلمة بالسلاح فأنتجت مولودا هو الثورة على إيقاع الرصاص و المدافع و القلم وفي هذا الصدد يقول خمار :
يا مطلع ثورتنا الأنور19
واهتز بثورتنا يجهر
أقبل فالثورة تتقهقر20
فلفظة “الثورة” في هذا السياق الشعري بالذات لم يعد في جوهر دلالته سلوكا فرديا يجنح إليه المرء بدافع الإنتقام أو التعبير عما يجيش يه خاطره من صخر أو غضب، و إنما الثورة في هذا السياق هي عمل من أعمال العنف الجماعي، وزحف شعبي عارم واندفاع جماهيري، يفضل خلاص الأمة وبالتالي تحقيق النصر ونيل الحرية.
ولا جرم أن لفظة الثورة حققت معنى قوي ساهم في دلالة التركيب، إضافة إلى التركيب الإضافي الذي اقتلا نبه هذا اللفظ “الثورة” بلفظة”التحرير”، وعليه يكون لفظ “الثورة” قد شغل مجالات دلالية عديدة
ومنها ما يلــــــــــــــــــي :
اللفظة ورود سياقها في الديوان المعنى اللغوي المعنى العرفي لدى المجتمع المعنى السياسي
الثورة العنف بمختلف مزاياه، وطرق الاستقلالية المطالبة بالدم
غليان النفس الشعــــــــــــب
السيــــــــــــادة إرادة التغيير عن المواجهة العنيفة

وعليه فدراستنا لحقل الثورة تظهر من خلال معجمها التالي الموضحة في الجدول .
بعد قراءتنا المتأنية لحقل الثورة يتضح أن خمار حرص على هذا الجانب طبقا لتوظيفة للأسماء والأفعال التي وردت على لفظة الثورة، حيث تكرر في عدة ألفاظ أخرى وهذا ما ذكرناه آنفا في الجدول، كلها كانت ألفاظ متداولة لدى الشعراء الجزائريين الآخرين، لأن لفظ الثورة هو المصدر الذي تعنون به قصائدهم في أغلب الأحيان وهذا ما وجدناه عند خمار.
فشاعرنا استعمل مرة أخرى ألفاظ جاءت مطابقة للفظة الثورة مثـــــــــــل21:
(فجر،الصرخة، والغزو ،جرحى أيتام،تدمي الوجدان،الهول.
حيث تعددت الدلالات في خطابه الشعري فاستعان بمسار دلالي ذات نمط واحد وكذلك نجد المعاني القوية المعبرة عن الإنفعال والتغيير ذات غاية طبيعية مثل: “الرعد- نوفمبر”22 أرواحنا –الجهاد -الشهادة” فدلت على انفعال وقوة الحدث التاريخي الذي عرفته الجزائر أنذاك (في فترة الإستعمار)، وعليه الكلمات حملت صورة سمعية وهذا ما ورد في قوله :”البارود- النيران- رصاص”23كلها عبرت عن إنفجار ثورة عارمة،كما أن الشاعر استعان بكلمة نوفمبر في كثير من القصائد وهذا ما يدل على تأثر خمار بهذه الثورة العظيمة، كان لها وقعا في نفسه إذ رددها في أكثرمن قصيدة، حيث كان لها الفضل في استئصال واجتثاث الظلم و الطغيان ، فلفظة “نوفمبر” سجلت
دلالة زمنية عبر التاريخ رامزة للتفجير و التغيير في الآن نفسه ،وهاهو شاعرنا يتحدث عن شهر نوفمبر قائلا :
و كلما مر بنا الزمــــان زاد بنا الهوان والنقصان
كأننا من غير أصل (بن بولعيد) فارجع إلينا يا نوفمبر العتيد24
ويقول في موضع آخر:
نفمبر .. أيها النائي..كفانا.. من الذكرى..أقم حتى ترانا25
******
نفمبر..كنت في الماضي عقيما فهمت بنا..وصرت لنا أبانا26

و هذا لا يعني أن الشاعر اعتمد على الأسماء حتى الأفعال كان حظها أوفر في نصوصه التي دلت على بنية الثورة، كونها لا تنحصر قوتها في طغيان حضورها وانتشارها بل تتجاوز ذلك إلى طبيعة قوتها من حيث الكثافة حيث تتجلى فيما يلي :
-قوة الفعل النوعية وهذا ما يدل على تمامية الفعل أي دلالته على الزمن والحدث في آن واحد، أو لزوم الفعل، وكذلك في حال اتصال ضمير الفاعل بالفعل مثل : زحفنا، غزونا، قتلنا…إلخ فالشاعر هنا يتكلم بضمير الجماعة وهذا ما يدل على قوة شخصية وتوحيد الكلمة والرأي بصوت عال واحد وهو صوت الثورة وضميرها، وهذا ما يرجع إلى قابلية الفعل لإسناد إلى الضمائر تحوله إلى طاقة حركية وتحولية27 .
الأفعال التي وظفها الشاعر بصورة قوية يتضح أنها أدت مهمتها الثورية واصفة بوقوعها في النص الشعري الحدث المرير والواقع الأليم وعلاقتهما بالمكان والزمان الذي نص عليهما الشاعر كونها أفعال تتحول إلى لبنات أساسية في عملية الإنشاء الداخلي للبنية اللغوية بأكمل وجه28 .
وفي هذا الصدد جسد الشاعر الأفعال التي دلت على ذلك :”يتعثر- يجهر–تفجر- أسحق- استنفر- تستعمر- تثأر-استنهض-يغدر”و كذاك “فجر- زحفنا- يؤاسي- غزونا- تكالبنا- قتلنا – يمحق- يكبح- تقزمنا – تجاوزنا” .
2-تكرار الفعل في الوحدة اللغوية (الجملة الواحدة) باعتبارها ظاهرة بارزة في شعر خمار، وهذا ما يدل على حضورالجماهير و فاعليتها وبالتالي الحماس الثوري النابع في النفوس، ممثلا ذلك في قوله:

ويضيع الطفل يضيع الشيخ تضيع الأم بلا أكفان29
وبما أن نظرية الحقول الدلالية هي مستوى المادة الخام التي يستلهمها الدارس منهجا تجريبيا على موضوع من الموضوعات الأدبية، فالنظرية هي مجموعة منظمة ومتناسقة من المبادئ والقواعد العلمية التي تهدف إلى وصف وشرح الأحداث والظواهر30،وهذا ما يكون عن طريق اللغة وبالتالي تصبح المادة الخام للغة هي المعجم الشعري لكل شاعر معين في زمن من الأزمان.

إضافة إلى الحقل الدلالي للموت فكان وروده قليلا لأنه جاء مواكبا لحقل الثورة وهذه الأخيرة يقابلها الموت وتتمثل فيما يلي :”الموت إلتهابا- تنزل الروح- الذهاب- العذاب” وغيرهما من المصطلحات الأليمة التي استعان بها خمار متمثلا ذلك في قوله:

الموت ومنظره الدامي يتصاعد من النيـــــــــران
و نفوس قيدها ردم تتلوى تحت القضبان
1-ينظر: عقاق قادة- مقال : الكلمة الشعرية ذات المنحى الثوري و البعد التحرري في الشعر الجزائري الحديث- مجلة الآداب و العلوم الانسانية- جامعة سيدي بلعباس- الجزائر- العدد الثالث- أفريل 2004- ص 65.
2-محمد طويلي-الثورة الجزائرية و صداها في العالم- الملتقى الدولي الجزائري- 28نوفمبر 1984- المركز الوطني للدراسات التاريخية –ص72.
3- أنيسة بركات – أدب النضال في الجزائر- رسالة دكتوراه في الأدب-جامعة الجزائر-سنة 1974/1973- ص72.
4- شلتاع عبود شراد- تطور الشعر العربي الحديث- دت- دار مجدلاوي للنشر- ط1- 1998- ص262

5- صالح خرفي-الشعر الجزائري الحديث- المؤسسة الوطنية للكتاب- الجزائر-1984-ص44
6-ينظر: التواتي بو مهلة- نماذج من الثورة في النص الشعري- دت-دار المعرفة- دط-ص24.
7-بشير تاوريريت-الشعرية و الحداثة بين أفق النقد الأدبي و أفق النظرية الشعرية-دت-دار رسلان للطباعة-دمشق-ط2010-ص10
8-عبد الوهاب البياتي-في جهادفاضل أسئلة الشعر حوارات مع الشعراء العرب-دت-الدار العربية للكتاب القاهرة-ط01-1994.

9-مفدي زكريا-اللهب المقدس –المؤسسة الوطنية للكتاب- ط1- 1986 ص02.
10- التواتي بو مهلة- نماذج من الثورة- ص 28.
11-المرجع نفسه-ص 29.
12-ينظر: مفدي زكريا- المصدر السابق ص02.

13-محمد بلقاسم خمار- ديوان ظلال وأصداء- ط1- مؤسسة بوزياني للنشر و التوزيع- 2009.
14-Youri LOTMAN-La structure du texte artistique-traduit du russe par Anne Fournier -Bernard Kreise-Eve Malleret et Joelle Young sous la direction de Henri Mes-chonnic- Préface de Henri Meschonnic-Paris- Gollimard–Bibliotheque des sciences humaines-1973-415p.
15-ابن منظور- لسان العرب- مادة (ث أ ر) –دار إحياء التراث العربي-بيروت- ط1-ج07- 1988-ص350.
16-المرجع نفسه- ص350
17-المرجع نفسه– مادة (ث أ ر) – ص350.

18ينظر:ياسين أحمد فاعور – الثورة في شعر محمود درويش –دار المعارف للطباعة والنشر-تونس-1989-ص 85.
19محمد بلقاسم خمار-ديوان:مواويل للحب والحزن– ص 78.
20-نفس المرجع- ص80.
21-ينظر:محمد بلقاسم خمار-المرجع السابق– ص40 وما بعدها.
22- ينظر:محمد بلقاسم خمار- ديوان:مواويل للحب والحزن-ص84.
23- ينظر:محمد بلقاسم خمار – ديوان :ظلال وأصداء- ص 138 وما بعدها.
24-محمد بلقاسم خمار- ديوان:مواويل للحب والحزن-ص84.
25- المرجع نفسه- ص 11.
26-المرجع نفسه –ص11.
27-ينظر:أسيمة درويش- مسار التحولات(قراءة في شعر أدونيس) –دار الأداب-بيروت-1992– ص 144.
28-أحمد عزوز – نفس المرجع السابق – ص 09.
29-محمد بلقاسم خمار- ديوان: للتأمل وأخرى للصراخ- ص40.
30- أحمد عزوز – نفس المرجع السابق- ص 09.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.