محمد الضابوس

الفنان التشكيلي الفلسطيني ” محمد إبراهيم حسن الضابوس” من مواليد مخيم جباليا بقطاع غزة عام 1978، برزت مواهبه في سن مُبكرة وكان له حضور فني ومساهمات فنية في أكثر من مكان ومناسبة داخل قطاع غزة. خضع لمجموعة دورات متخصصة بميادين الفنون الجميلة التشكيلية والخط العربي في جمعية الشبان المسيحية بغزة ما بين 1994-1995، مما منحه نشاطه وبروزه ما بين أقرانه فرصة طيبة لمتابعة دراسة الفنون في كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان بمدينة القاهرة المصرية، والتخرج منها بشهادة بكالوريوس رسم وتصوير عام 2002، وبتقدير امتياز مع مرتبة الشرف.

تسنى له أيضاً الالتقاء بالفنان التشكيلي السوري مروان قصاب باشي كواحد من الأكاديميين العالميين المعروفين في ميادين تدريس الفنون الجميلة التشكيلية بطرائق عصرية، وخاض معه مجموعة من التدريبات والمشاركة في ورشات عمل خاصة في تقنيات متعددة من الفنون التشكيلية والغرافيك على وجه التحديد، أقام مجموعة من المعارض الفردية والجماعية داخل فلسطين وخارجها، ثم تفرغ بعد تخرجه للفن ضمن مجموعة العمل في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وتمكن من العمل أيضاً في مجال الديكور التلفزيوني لبرامج خاصة بالأطفال عام 2003، فضلاً عن اشتراكه ضمن فريق برنامج الأغذية العالمي في مسارات التصميم الإعلامي، ثم التحق بصفة مُحاضر في كلية الفنون الجميلة بجامعة الأقصى بغزة، ومُحاضر في كلية مجتمع العلوم المهنية والتطبيقية بقطاع غزة اعتباراً من العام 2007، وعضو في مجموعة التقاء للفن المعاصر بفلسطين.

لا يُمكن للباحث والناقد الفني والمتابع لمسيرة الفنان “الضابوس” الفنية إلا أن يستعرض مجمل مراحل حياته الفنية بوسائط مجاز القول المتاح، كواحد دفعته الفطرة والموهبة والدراسة وحب التعلم إلى ما وصل إليه، من مكانة مميزة في مسيرة الحركة الفلسطينية الشابة في عموم فلسطين وقطاع غزة خصوصاً، حيث درج على تناول الفن من حيث مرجعياته الأكاديمية المدرسية وبرع فيها أثناء دراسته الجامعية في القاهرة المصرية، ومكنته من الحصول على درجة رفيعة في مشروع تخرجه، المُحاكي للطبيعة الشعبية العربية المصرية والفلسطينية، وما يتخللها من شخوص وأماكن وتجارب موصولة بميادين الرسم والتصوير المدرسي، ولا تخرج في مجملها عن الاتجاهات الواقعية التعبيرية.

بينما اتسمت أعماله بعد تخرجه الأكاديمي واختلاطه بمجموعات فنية داخل قطاع غزة وخارجه وطبيعة عمله المهني في مجالات إعلامية متنوعة مربوطة بالصورة المرئية، أكسبته خبرات مهنية مُضافة، واستطاع أن يلمم تقاسيمها رؤاه السردية ومتنها التقني، المتعدد في قوالب صياغة فنية تشكيلية مفتوحة على تخير الرموز والأماكن والشخوص، لاسيما يوميات العدوان الصهيوني واندلاع الانتفاضة الشعبية المباركة الأولى والثانية التي شكلت معينه وزاده البصري، ومساحة ممكنة لصقل مواهبه وخبراته التصويرية بالاتجاهات المرغوبة، والتي أراد لها أن تكون من حيث الشكل والمضمون والأساليب والتقنيات المرافقة، وجعلته يسبح في تجليات فنون الرسم والحفر المباشر الملون والمطبوع، وصياغة مواضيع تصويرية أكثر التصاقاً بروحه الشفافة، والملازمة لمدارات الحداثة التصويرية.

منحته الاتجاهات الفنية المعاصرة، من حداثة وما بعدها شيئية وتركيبية ومتعددة التقنيات مزيداً من الحرية والتحرر من الأنماط التقليدية بالفنون، ودخل ميدانها بقوة وثقة بالنفس والرغبة الذاتية في التعبير عن رزمة من الأحاسيس، العاكسة لمدارات انفعالاته المسكونة بالصور والمرئيات المحفوظة في مستودع ذاكرته الحافظة، وتقديمها في سياق مدونات بصرية خطية ولونية وبتقنيات متنوعة، يكون للون سواء أكان أحادياً ومتدرجاً في حدته وتدريجاته، أو متعد السمات والخصائص الموصولة بدائرة الأوان الرئيسة من أساسية ومساعدة، وملامسة أفكاره الشخصية ورؤاه المنشودة في التعبير والتوصيل، في رؤى حداثة تشكيلية مُغرقة في حداثتها.

فكانت تأخذ مكوناته وعناصر مفرداته طريقها بيسر فوق سطوح الخامة، وتحتاج معها لعين بصيرة وذاكرة فنية مُبصرة ومثقفة للتفاعل والتواصل مع معاني النص البصري المسرود، ولوحاته هي بلا شك نخبوية الطابع والسليقة السردية، ولا يمكن محاورتها وتقيمها إلا بالوسائل النقدية الموازية لتداعيات فنون الحداثة التصويرية وما بعدها، ولا يجوز النظر إليها من وجهة نظر بحث أكاديمية ذات صياغات مدرسية نظامية، أو محكومة بالمعايير الجمالية وأدوات النقد المدرسية التقليدية، لأنها ستدخل ميدان ليس ميدانها.

اللون كم سبق اشرنا لديه حمال الأوجه والصنعة التقنية، مكشوف على المساحات الممتدة، والتداخل وفق معايير التناقض والمجاورة، والتناسق ما بين تباينات كل لون مع آخر من ذات النسيج أو متعارض معه، وتحمل مضامينه مواضيع شتى، منها ما يليق بأوصاف الشهداء، وأخرى بالمنتفضين، وثالثة بذاكرة المكان الفلسطيني وما يحمله المخيم الفلسطيني من تجليات عالقة في ذات الفنان الوصفية، ومتصلة في بعضها بتقاسيم التراث الشعبي الفلسطيني والأثواب الفلسطينية المزخرفة والدالة عليه، من خلال تصوير مجموعة كبيرة من اللوحات الحاضنة لنماذج من نسوة بلادنا الفلسطينيات.

وثمة لوحات مشغولة بتصوير مشاهد مُختارة لجيش الاغتصاب الصهيوني في شكل مداهماته للبيوت الفلسطينية وجموع المنتفضين، كاشفاً بعضاً من سماته وخصائصه العدوانية، وهم يمارسون هواية القتل والتعذيب النفسي لجماهير شعبنا الفلسطيني البطل في عموم فلسطين وقطاع غزة من دمار وحصار، لوحات فيها شيء من المحاكاة الواقعية، ولكن في لغة سرد تعبيرية ملغية التفاصيل وجعل الشخوص والملامح في حلة تجريدية متسقة داخل بنيان العناصر والمفردات التشكيلية التي يوظفها الفنان ويرصفها في مشابهة واقعية تعبيرية لطبيعة ما جرى ويجري في فلسطين من أدوات القمع والقهر الصهيوني.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.