الفنانة احلام الفقيه

الفنانة التشكيلية الفلسطينية ” أحلام الفقيه” من مواليد القدس عام 1979، وهي ابنة المناضل والصحفي الشهيد (حسن عبد الحليم). عايشت الفن منذ نعومة أظفارها، حينما تسنى لها زيارة إيطاليا وهي طفلة تبلغ من العمر سبع سنوات، وبقيت فيها نحو خمسة أعوام تمكنت من مشاهدة فنون النهضة الإيطالية، حالمة بمستقبلها الواعد عن طريق الفنون، وأمسى الفن حلمها وفسحة لتخير طريقها في استكمال دورة الحياة، وبعد نيلها الثانوية العامة انتسبت إلى كلية الفنون الجميلة بجامعة القدس، وتأثرت بمدرسيها الذين منحوها رعاية خاصة لبروز موهبتها، ومساعدتها على صقلها، أمثال الفنانين (سليمان منصور ونبيل عناني وطالب دويك) وغيرهم، ومن تم تخرجها بشهادة بكالوريوس، وتسنى لها متابعة دراستها في فنون الآثار والمتاحف وحصولها على شهادة الماجستير أيضاً، مُقدمة نفسها كفنانة محترفة في ثلاثة معارض فردية، ومُشاركة في العديد من المعارض الفنية التشكيلية الفلسطينية الجماعية، الفن جليسها وإنتاج اللوحات فسحتها الشخصية المتاحة، جعلت منه رسالة ثقافية وفكرية لتوصيل صوتها ونضالها على جبهة الوجود والتحدي، مُعانقة الوطن الفلسطيني وهموم أبناء شعبها وجمالياته وتاريخه وتراثه بحلة لونية زاهية بالأمل.

لوحاتها التصويرية مسكونة بفلسطين الوطن والتاريخ والجمال والتراث والإنسان، مُغردة في فضاء الحرية، والتحرر وحبال الود والكرامة وإنسانية الإنسان، تفتح بوابة الشمس على مصراعيها، وتستظل بضوء القمر في ليلة ربيعية، وتسهر مع الحقول الفلسطينية والكروم والورود، تستدعي جميع جماليات الوطن الفلسطيني في وليمة بصرية واحدة، متوحدة الهوى والقسمات، وتتجلى في تقاسيمها الشكلية الوحدة الوطنية الفلسطينية بكل معانيها السامية المترفعة عن الأنا الفردية، لتدخل في الأنا الجماعية التي عنوانها الوطن الفلسطيني المعافى بأبنائه وطبيعته الجميلة والمسبحة لتقاسيم الحرية وتباشير الحياة.

الفنانة في لوحاتها التزينية، تُقدم منشورها الجمالي وبصمتها الوجودية، وانحيازها لذاكرة فلسطينية حبلى بتفاصيل الحياة الحرة الكريمة والممتعة، تأخذ من متعتك الذاتية كمتلقي وتقودك بسلاسة لتصفح مفاعيل الرؤى وإمكانية التأمل، في رحلة بصرية عبقة، متنقلاً ما بين واحة أمنا العظيمة فلسطين المتدثرة برمزية الأرض، والمتدثرة بكسوة فلسطينية خالصة، تستعير رمزية امرأة فلسطينية بثوبها الفلسطيني المطرز، تارة هي أخت الرجال، وثائرة أُخرى يدها قابضة على زناد السلاح، ومحاطة بجماليات الوطن، وتارة هي الأم الوادعة الحالمة بأبنائها المتناثرين حقول وجبال وسهول وأودية وطيور وورود، وبيوت متوالية لمدائن وقرى، في مقدمتهم مدينة القدس كرمزية دينية وملتقى المحبة والقداسة.

لوحات تختصر الزمن الفلسطيني البائس، وتُزيل أثار الألم وعذابات السنين، تُورق في عناصرها ومفرداتها الشكلية، وخطوطها وملوناتها الزاهية والفرحة تفاصيل الزمن الفلسطيني القادم المحمل بالنصر والتحرير والعودة، تجعلك كمتلقي تعيش لحظات التفاؤل بكل سماته وتجلياته، وتقربك خطوة من بلوغ الأحلام، توحد الدروب إلى فلسطين، وتفتخر بأنك فلسطيني منتمي لأمتك ولهذه الأرض المعطاءة الولود.

لوحات مطوقة بالاتجاهات التعبيرية، والتعبيرية الرمزية بالفن، تبني عوالمها الشكلية باتجاهين رئيسين، الأول: مأخوذة مضامينه وتقنياته وعجينته اللونية وتداعيات خطوطه بأساليب القص البصري التعبيري لحكايات سردية مستعارة من ذاكرة حافظة، وقريبة من رسوم الأطفال والكتاب ومدوناته، وعلى صلة وثيقة بالشخوص والأماكن والطبيعة الفلسطينية العناء. بينما الثاني: مشغولة بتجليات الرؤى ذات المسحة الإعلانية متداخلة النصوص والخطوط والملونات، وتجد في تواتر الأشكال الهندسية المتناسلة من توليفات الدائرة والمستطيل والمربع والمثلث، وتنويعات الزخرفة النباتية والهندسية والحيوانية، ورمزية الحالة التصويرية المناخ البصري المناسب لتبيان لحمتها الشكلية.

في جميع الأحوال، نجد لوحاتها تحمل في أحشائها وكسوتها الخطيّة واللونية وملامحها الجمالية ومحتواها الموضوعي، مسارات رؤى سردية متوالدة من يد ماهرة واحدة، وذاكرة عامرة بمحسوس الجمال المنقول عبر تجليات الطبيعة والإنسان الفلسطيني، تُحيك عجينتها اللونية كوحدة عضوية متكافئة ما بين جميع النصوص واللوحات المسرودة في مدارات ابتكارها متنوع القسمات. تعتمد الكثافة العددية للرموز والعناصر المرصوفة في حيز التكوينات وتفتح الخطى واسعة لتفاعل اللون وتغريده في مقامات التغريبة الفلسطينية.

القدس المدينة المقدسة متواجدة في عموم لوحاته ودائمة التوهج، في مكانتها ورمزيتها في عقول العرب والفلسطينيين خصوصاً مسيحيين ومسلمين، تتقدم المشاهد صراحة ورمزاً، وتأخذ من المسجد الأقصى عموماً، ومسجد قبة الصخرة خصوصاً، استعارة بصرية ومجاز وصفي تزيني داخل متن اللوحات، وتعتمر البيوت القديمة كحلة جمالية مُضافة في جماليات المشهد السردي، وكأنها مجموعة متآلفة لبانوراما تصلح لن تكون خلفيات لمسرحية هنا، وحكاية هناك.

لوحات تصوغ الحالات الإنسانية، في موسيقى بصرية سانحة لتغريد الطيور، وملونات خارجة للتو من رحيق الأزاهير الفلسطينية المتعددة، طيبة الرؤى والرائحة والمنظر، تسكن أحاسيس الفنانة انعكاساً لروحها المرحة والمتفائلة ونفس تواقة للجمال والحرية، تُعيد صياغتها قناديل ملونة بتفاصيل الأم والبهجة والسرور، والقول البصري المعلن، أن فلسطين من شمالها وجنوبها وبحرها ونهرها ارض تستحق الحياة، حياة حرة كريمة بلا صهاينة ولا غزاة وعملاء، فلسطين نقية طاهرة كدماء الشهداء في ليلة فرح فلسطيني.
ـــــــــــــــــــــــــــ

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.