نادين بكداش: فنان خارق

نادين بكداش: فنان خارقخسر الفن عموداً كبيراً من أعمدته العملاقة.
عارف الريّس ليس أياً كان وهو أحد مؤسسي الحركة الفنية في الخمسينات وله دوره الكبير في “دار الفن” مع والدتي جانين ربيز.
ليس هذا وحسب كان له مطرح حميمي في العائلة كصديق كان صديق العائلة بامتياز.
وعيت عليه كفرد من أفراد البيت منذ أيام والدي ووالدتي كبرنا معاً، كبرت بوجوده، وكبرت مع صداقته.
كان فناناً خارقاً بكل معنى الكلمة وشق وفجر مراحل تشكيلية مهمة.
وفي كل مرحلة كان يتبع روح التجربة التي يعيشها وبالإمكان الحديث عن مرحلة إفريقيا ومرحلة الواحة أو الصحراء السعودية، ومرحلة الحرب التي عبر عنها بعنف تعبيري رافض بالعمق.
كان يعيش كل مرحلة جوانياً ويطلع بها فناً عميقاً، أصيلاً متجذراً، متحرراً ومتجدداً وخلاقاً وجريئاً.
بعد شفيق عبود، عارف الريّس، أمر صعب على التصديق.
غريب أمر هذا الموت السريع وتلك المواعيد التي تغلق باباً تلو الآخر.
عارف مات.. قد لا أصدق الخبر الآن.
ليس وقتاً للكلام الكثير عن فنان كبير. الموت لا يدع أحياناً فكرنا بسهولة يلحق به. لكن الأكيد أن عارف الريّس من الذين أسسوا وأدخلوا الجديد على الكلاسيكية في الفن.
فنان مرهف الإحساس وأتكلم هنا فنياً.
باب آخر يغلق، وعارف مثله مثل الكبار كما شفيق عبود ولبنان البلد والناس والشارع المدني بشكل عام سيفتقده كثيراً، وأتمنى أن الأجيال المقبلة تتعرف على فن عارف الريّس وتعطيه حقه وهو الذي عمل الكثير والكثير للفن التشكيلي منذ الخمسينات وكانت له بصماته الخالدة.
دائماً جديد
في كل مرة ألتقي عارف الريّس أكتشف فيه شيئاً جديداً، شيئاً لم أتكهنه في اللقاء السابق. طبيعته وهم بصري تتكاثر فيها الصور، حيث إننا لا ننجح إطلاقاً في إيجاد بداية أو نهاية. إنها متحركة، تثير باستمرار رؤى جديدة وانفعالات جديدة (…).
الرسم بالنسبة إليه ليس في “صنع لوحات” وإنما عملية توضيح حالة نفسية لنفسه، عذاب داخلي لا يعرف سببه.
علينا أن نعتبر إنتاج هذا الفنان تعبيراً فطرياً، غريباً عن كل ذهنية مناقضة لطبيعته الخاصة، لعواطفه، وانفعالاته.
لكن إذا كانت أعمال عارف الريّس، في الرسم والنحت، هي فطرية، فعلينا أن نحدد بأنها ليست مجردة من الأسلوب الذي اختزنه من معارفه المكتسبة بدأب ومن احتكاك إنساني دائم بكل ما تمثله الثقافة اليوم.
في أعمال عارف الريّس، المضمون ليس في الموضوع وإنما في القيم الشكلية، سواء رسمية أو نحتية، تصويرية أو تجريدية، لتدرك دائماً شرعية انفعاليته، نوعية جمالية تجعلها أكثر من مرة ممثلة للفنون البصرية المعاصرة.

***

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.